للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأقل ستجد من بينهم من يصورون مستوى خلقيّا رفيعا من البرّ، وإن كان ذلك لا يمنع من أن فريقا منهم عاش سفاحا لا يرعى عهدا ولا ذمة. ونقف قليلا عند أكثرهم دورانا على الألسنة، وهم تأبّط شرا والشّنفرى وعروة بن الورد.

أما تأبّط شرّا فمن قبيلة فهم واسمه ثابت (١) بن جابر بن سفيان ويعد فى أغربة العرب، إذ كان ابن أمة حبشية سوداء، فورث عنها سوادها، وقيل بل أمه حرة من فهم تسمى أميمة. واختلف القدماء فى تعليل لقبه «تأبط شرا» فقيل لقبته به أمه إذ تأبط سيفا وخرج، فلما سئلت عنه قالت: تأبط شرا ومضى لوجهه، وقيل بل سمته أو لقبته بذلك لأنها رأته يتأبط جرابا مليئا بالأفاعى.

وربما كانت قبيلته هى التى لقبته بهذا اللقب لكثرة ما كان يرتكب من جنايات وجرائر، أى أنه يحمل دائما فى أطوائه شرّا يريد أن ينفذه. ويظهر أن أباه مات وهو صغير، فتزوجت أمه بأبى كبير الهذلى، وكان صعلوكا كبيرا، فخرّجه على شاكلته، وربما كان لسواده وتعيير عشيرته له به وبأنه ابن أمة أثر فى تصعلكه. وكان يرافق الشّنفرى فى كثير من غاراته كما كان يرافقهما صعلوك آخر يسمى عمرو بن برّاق. وليس له ديوان شعر مطبوع، غير أن له أشعارا كثيرة منثورة فى كتب الأدب، وتروى له مغامرات كثيرة، غير أنها مطبوعة بطابع القصص الشعبى، مما أتاح للانتحال أن يلعب دورا واسعا فيما نسب إليه من أشعار، فمن ذلك لاميته التى أنشدها أبو تمام فى حماسته يرثى بها خاله والتى تستهل بقوله «إن بالشّعب الذى دون سلع» فقد ذكر بعض الرواة أنها مما نحله إياه خلف الأحمر (٢).

ويمكن أن ندخل فى هذا الباب من الانتحال ما يروى له من أشعار يقص علينا فيها لقاءه للجنّ أو للغول. وقد روى له صاحب المفضليات قصيدة طويلة جعلها فاتحة كتابه، وهو يستهلها بالحديث عن الطيف، ولا يلبث أن يحدثنا عن إحدى غاراته أو مغامراته الفاشلة مع صديقيه الشنفرى وعمرو بن براق على بجيلة فى الطائف، إذا أرصدوا لهم كمينا على ماء أوثقهم غير أنه وصاحبيه دبروا حيلة بارعة، نجوا بها عدوا على الأقدام، ويصور لنا عدوه وشدّه السريع حينئذ فيقول:


(١) انظر ترجمته فى الأغانى ١٨/ ٢٠٩ والشعر الشعراء ١/ ٢٧١ وشرح شواهد المغنى للسيوطى ص ١٩، ٤٣ والخزانة ١/ ٦٦
(٢) انظر تعليق التبريزى على القصيدة فى شرحه لديوان الحماسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>