للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣ - اثر القرآن فى اللغة والأدب]

القرآن الكريم مفخرة العرب فى لغتهم، إذ لم يتح لأمة من الأمم كتاب مثله لا دينى ولا دنيوى من حيث البلاغة والتأثير فى النفوس والقلوب، سواء حين يتحدث عن عبادة الله الواحد الأحد وعظمته وجلاله، أو عن خلقه للسموات والأرض، أو عن البعث والنشور، أو حين يشرّع للناس حياتهم ويقيمها على نهج سديد يحقق لهم السعادة فى الدارين: الأولى والآخرة.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكاد يمضى فى تلاوته حتى يروع سامعيه ويأخذ بمجامع قلوبهم، سواء أكانوا من أنصاره أم كانوا من أعدائه، فقد روى الرواة أن الوليد بن المغيرة الذى كان من ألدّ خصومه سمعه يتلو بعض آى الذكر الحكيم، فتوجّه إلى نفر من قريش يقول لهم: «والله لقد سمعت من محمد كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجنّ، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق» (١). وواضح أنه أحسّ فى دقة أن آى القرآن تباين كلام الإنس من فصحائهم كما تباين كلام الجنّ الذى كان ينطق به كهّانهم. إنه ليس شعرا موزونا، مما كان يدور على ألسنة شعرائهم، ولا سجعا مقفى مما كان يدور على ألسنة كهانهم وغيرهم من خطبائهم، إنما هو نمط وحده فصّلت آياته بفواصل تطمئن عندها النفس، وتجد فيها وفى كل ما يتصل بها من ألفاظ روحا وعذوبة. إنه نمط باهر، بل هو نمط معجز ببيانه وبلاغته، يقول جلّ ذكره: {(قُلْ لَئِنِ اِجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)} {(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَاُدْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).} وفعلا عجز العرب عن معارضته عجزا تامّا، فمضوا يجرّدون سيوفهم ويغمدون ألسنتهم، ولم نلبث المعجزة الباهرة أن استعلت،


(١) انظر تفسير الزمخشرى فى سورة المدثر. مغدق: كثير المياه.

<<  <  ج: ص:  >  >>