للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثّانى

الثقافة

[١ - الحركة العلمية]

نشطت الحركة العلمية فى العصرين: العباسى الأول والعباسى الثانى نشاطا عظيما، فمن تعليم للناشئة فى الكتاتيب إلى تعليم للشباب فى المساجد، ومضت على هذا النحو فى أوائل عصر الدول والإمارات فى إيران وغير إيران، وكانت الناشئة تتعلم الخط والكتابة والقراءة وشيئا من الحساب وبعض آيات القرآن الكريم وسوره وبعض الأشعار. أما المساجد فتحولت بجانب ما كان يقام فيها من صلوات إلى جامعات كبرى، يتعلم فيها الشباب جميع فروع العلم. وكان الأستاذ عادة يستند إلى أسطوانة فى المسجد، ويتحلّق الطلاب حوله، وهو يملى عليهم محاضراته. وكانوا يتكاثرون فى بعض الحلقات، فلا تسمع الصفوف الأخيرة كلام الأستاذ، فينهض مستمل بترديده، حتى تسمعه تلك الصفوف. وكانت أكثر الحلقات طلابا حلقات الفقهاء والمحدّثين. ولم تكن هناك رسوم أو أجور تؤخذ من هؤلاء الطلاب فقد كانت الدولة تتكفل بأجور العلماء، وكان منهم من يأبى أن يأخذ أجرا على دروسه، اكتفاء بما يكسبه من تجارة له أو عمل.

ولا نبالغ إذا قلنا إن القرنين الرابع والخامس للهجرة بإيران يعدّان أزهى قرون هذا العصر من حيث النهضة العلمية وبلوغها الأوج المنتظر، ولعل مرجع ذلك إلى التنافس الذى نشأ بين أصحاب الإمارات حينئذ، فقد مضى كل منهم يجهد جهدا بالغا فى أن يضم حوله علماء العصر ليزدان بهم بلاطه وتزدان بهم دولته وكى يبعثوا فى شباب الدولة الطموح إلى تحقيق ما لم يحققه العلماء قبلهم. ولعل عضد الدولة خير من يمثل ذلك بين البويهيين، فقد كان يقدر العلم والعلماء ويجرى الرواتب والأرزاق على الفقهاء والأدباء والقرّاء، فرغب الناس فى العلم، وكان هو نفسه يتشاغل بالعلم، ووجد فى تذكرة له:

إذا فرغنا من حل أقليدس كله تصدقت بعشرين ألف درهم، وإذا فرغنا من كتاب أبى

<<  <  ج: ص:  >  >>