للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الفارسى النحوى تصدقت بخمسين ألف درهم (١). ويقول ابن الأثير: «كان يجلس مع العلماء يعارضهم فى المسائل، فقصده العلماء من كل بلد، وصنفوا له الكتب، منها الإيضاح فى النحو والحجة فى القراءات لأبى على الفارسى، والكناش الملكى فى الطب لعلى ابن العباس المجوسى، وكتاب التاجى فى التاريخ لأبى إسحق الصابئ إلى غير ذلك». وكان خلفاؤه من البويهيين يعنون بالعلم وأهله. وكذلك كان السامانيون، حتى قالوا إن خراسان جنّة العلماء، وكانت بها نيسابور أكبر مركز للعلم بإيران فى العصر، وسيتردد اسمها كثيرا فيما يلى من كلام. وبالمثل كانت الدولة الزّيارية تعنى فى طبرستان بالعلم والعلماء. ولم تكن تقلّ عنها عناية الدولة الخوارزمية بأمرائها الثلاثة فى مدينة خيوه المعروف كل منهم باسم «مأمون خوارزم» ويكفى أن نعرف أنه كان يعيش فى رعاية ثالثهم الذى استولى محمود الغزنوى على إمارته سنة ٤٠٨ للهجرة صفوة من رجال الفلسفة والعلم فى مقدمتهم البيرونى وابن سينا وأبو سهل المسيحى والطبيب ابن الخمّار والرياضى أبو نصر بن العرّاق، وكان محمود الغزنوى قد طلبهم من مأمون خوارزم قبل استيلائه على إمارته، فاستدعاهم وعرض عليهم رغبته، ولبّاها ابن العرّاق وابن الخمار والبيرونى، ورفضها أبو سهل وابن سينا، وولىّ الأخير وجهه نحو قابوس بن وشمكير الزّيارى صاحب طبرستان (٢). وفى هذا ما يدل على مبلغ اهتمام محمود الغزنوى (٣) بجمع الفلاسفة والعلماء فى عاصمته «غزنة» التى جعلها مركزا من أهم مراكز العلوم والآداب فى الشرق الإسلامى وعمت النهضة فى دولته مدنا أخرى مثل هراة. وكثر حينئذ إهداء المؤلفين كتبهم للأمراء، وكانوا أحيانا لا يخصّون بها أميرا واحدا، بل ينتجعون بها أمراء الدول والإمارات المختلفة، على نحو ما كان يصنع الثعالبى، فقد أهدى كتابيه: «المبهج» و «التمثل والمحاضرة» إلى قابوس بن وشمكير أمير طبرستان وجرجان وكتبه: «النهاية فى الكناية» و «نثر النظم» و «اللطائف والظرائف» لمأمون بن مأمون أمير خوارزم، وكتابه «لطائف المعارف» للصاحب بن عباد وزير البويهيين، وكتابيه «سحر البلاغة» و «فقه اللغة» للأمير أبى الفضل الميكالى راعى العلم والأدب فى نيسابور.

وكان مما عمل على ازدهار النهضة العلمية فى العصر منذ أوائله تأسيس المدارس فيه، وكانت نيسابور أول مدينة إيرانية سبقت إليها، إذ تأسست بها فى منتصف القرن الرابع الهجرى مدرسة أبى حفص الفقيه، وكان يدرس بها للطلاب ابن شاهويه المتوفى سنة ٣٦١


(١) انظر المنتظم ٧/ ١١٥ وابن الأثير ٧/ ٢١.
(٢) انظر براون (ترجمة إبراهيم أمين الشواربى) ص ١١١.
(٣) انظر فى ثقافته ابن تغرى بردى ٤/ ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>