للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التصنع والتعقيد. وينشد العماد لابن قسيم مقطوعة طويلة تتوالى الكلمات فيها بحيث لا تخلو أولاها من صاد وثانيتها من سين أو العكس (١). ومما أنشده العماد فى خريدته من هذه الصور المتكلّفة قصيدة لشاعر من شعراء المعرة التزم فى كل كلمة من كلماتها أن لا تخلو من حرف النون (٢)، وأنشد لشاعر آخر من شعراء المعرة قطعة تقرأ على سبعة أوزان (٣). ولابن عنين حين ألم فى رحلته الكبيرة إلى المشرق بالفخر الرازى فى «هراة» قصيدتان (٤) فى مديحه تشتمل كل كلمة فى أولاهما على حرف السين كقوله فيها.

حسنت سريرته وقدّس سنخه ... وسما بأسلاف سراة شوس (٥)

بينما تشتمل كل كلمة فى ثانيتهما على حرف الحاء. وتعلق كثير من الشعراء فى العصر بصنع الألغاز والإجابة عنها، وأفرد كثيرون لها أبوابا فى دواوينهم على نحو ما يلقانا فى ديوان ابن عنين وأيضا فى ديوان مامية الرومى الدمشقى فى زمن العثمانيين. وظل غير شاعر يتصنع لما لا يلزم فى بعض مقطوعاته وقصائده وكان للصاحب عبد العزيز الأنصارى مجلد كبير فيه (٦).

[٤ - شعراء المديح]

يكثر شعراء المديح فى الشام منذ القرن الثانى الهجرى، وذكرنا أسماء نفر منهم فى غير هذا الموضع، وقد أهدت الشام فى القرن الثالث إلى الشعر العربى أكبر شاعرين مدّاحين فيه، وهما أبو تمام والبحترى. ويتكاثر شعراء المديح كثرة مفرطة فى أول هذا العصر: عصر الدول والإمارات بحلب زمن بطلها سيف الدولة الحمدانى الذى تحول بها إلى أكبر مركز علمى وفلسفى وأدبى، على نحو ما مرّ بنا، وغدت مقصد الأدباء وحلبة الشعراء، وجاءوها من كل بلد فى العراق وإيران فضلا عن الشام، وفى مقدمتهم المتنبى. وظل سيف الدولة نحو عشرين عاما يمزق جموع البيزنطيين ويستولى على كثير من الحصون والبلدان، والشعراء من حوله ينثرون عليه قصائدهم


(١) الخريدة (قسم الشام) ١/ ٤٤٧
(٢) الخريدة ٢/ ٤٥
(٣) الخريدة ٢/ ١٠٨
(٤) الديوان ص ٩٦.٩٨
(٥) النسخ: الأصل، شوس جمع أشوس: الشجاع المقدام
(٦) فوات الوفيات ١/ ٥٩٨

<<  <  ج: ص:  >  >>