للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين الصفدى يستسمن ورمه ويظنه شحما فيشبع أفكاره منه ويملأ بطون دفاتره (شعرا ونثرا) ويأتى فيه بتراكيب تخفّ عندها جلاميد الصخور». ويسوق من هذه الجلاميد أمثلة لعل أخفها قول الصفدى (١).

وكم شمت لما قست مقدار ودّكم ... بوارق يأس فى بوار قياس

والجناس فى الشطر الثانى، وهو مركب من كلمتين يختلفان معنى وبناء كما هو واضح، وفيه غير قليل من الثقل فما بالنا بما وراءه من أمثلة ساقها الحموى للصفدى. ولا نعدم أن نجد بين الشعراء من يزرى على هذا التصنع الشديد لجناسات كأنها قطع الصخر كما يقول الحموى مما يجعلها تصك الآذان صكا عنيفا، ولعله لذلك حمل زين الدين بن الوردى معاصر الصفدى المتوفى سنة ٧٤٩ على من يجعل الجناس له مذهبا فى نظمه، يقول ناصحا شعراء عصره (٢):

إذا أحببت نظم الشعر فاختر ... لنظمك كلّ سهل ذى امتناع

ولا تقصد مجانسة ومكّن ... قوافيه وكله إلى الطّباع

وقليلون هم الذين استمعوا إلى نصحه إذ أصبح التصنع منذ زمن أبى العلاء فى القرنين الرابع والخامس ظاهرة عامة تشمل جمهور الشعراء إلا من ندر، ولهم فى ذلك كثير من الأفانين.

وينشد العماد الأصبهانى فى خريدته صورا كثيرة من هذه الأفانين، وخاصة عند ابن قسيم الحموى المتوفى سنة ٥٤١ وهو شاعر نور الدين وأبيه عماد الدين، وبدأ العماد بصورة معقدة من تصنعه فى القوافى إذ نظم أبياتا على خمس قواف، يقول فيها مادحا (٣):

قل للأمير أخى النّدى والنائل ... الهطّال للشعراء والقصّاد

لازلت تنتهك العدا بالذابل ... العّسال فى الاحشاء والأكباد

ووقيت من صرف الرّدى والنازل ... المغتال للأعداء والحسّاد

وواضح أنه يمكن أن تفصل الشطور الأولى من كل بيت وحدها وأن يضاف لكل منها الكلمة التالية أو الكلمتان أو الأربعة، ومع كل صورة يتكون بيت مستقل، وهى مهارة تصور قدرة على


(١) الخزانة ص ٢٦
(٢) الخزانة ص ٢٧
(٣) الخريدة (قسم الشام) ١/ ٤٤٤

<<  <  ج: ص:  >  >>