للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يسبقها من كلمات البيت، بل لعله ظن ذلك لا يزال شيئا سهلا فطلب أن يكون بين أول كلمة فى البيت وبين القافية كقوله (١):

أشراك ذنبك والمهيمن غافر ... ما كان من خطأ سوى الإشراك

ومعنى أشراك: أغراك وأوقعك فى الإثم. ويكثر هذا الجناس المعقد فى لزوم ما لا يلزم أو فى اللزوميات، ولا يكتفى أبو العلاء بعقد الجناس واللفظ الغريب والروى المتعدد بل يطلب عقدا أخرى من ألفاظ الثقافات وما يتصل بها من اصطلاحات الفلسفة والعلوم الإسلامية وعلوم الأوائل من فلك وغير فلك وعلوم العربية من عروض وغير عروض مثل (٢):

بقائى الطويل وغيىّ البسيط ... وأصبحت مضطربا كالرّجز

والطويل والبسيط والرجز من بحور الشعر وأوزانه كما هو معروف، والرجز أكثرها اضطرابا لكثرة ما يجرى فيه من زحافات وعلل.

ولعل فى ذلك ما يوضح كيف أرسى أبو العلاء فى الشام مذهب التصنع والتعقيد الشديد وكيف رفعه على دعائم متينة لا فى قصيدة واحدة أو فى قصيدتين، بل فى ديوان كبير. وتبعه شعراء الشام لا ينظمون دواوين مثله يلتزمون فيها ما لا يلزم من اللوازم التى التزمها جميعا، ولكنهم يستخدمونها فى الحين بعد الحين كقول ابن حيّوس متغزلا (٣):

أو صاب جسمى من جناية بعدكم ... والصبر صبر بعدكم أوصاب

فقد جانس بين أول كلمة فى البيت وبين القافية المكونة من حرف العطف «أو» وكلمة صاب مثل كلمة صبر أى مرّ. وعلى هذه الشاكلة قول ابن عنين (٤):

خبّروها بأنه ما تصدّى ... لسلوّ عنها ولو مات صدّا

والجناس واضح بين آخر الشطر الأول والقافية، وهو فيها مكون من كلمتين. ويكثر ذلك عند شعراء العصر حتى نهايته زمن العثمانيين. ويقول الحموى فى خزانته: «كان الشيخ صلاح


(١) الفن ومذاهبه فى الشعر العربى (طبع دار المعارف الطبعة العاشرة) ص ٤٠١
(٢) نفس المصدر ص ٤٠٣
(٣) الديوان ١/ ٥٨
(٤) الديوان (تحقيق خليل مردم طبع دار صادر) ص ٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>