للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالمثل غذتها هجرة مماثلة فى القرن الحادى عشر الهجرى انتشلت الأدب شعرا ونثرا مما كان قد صار إليه من الضعف الشديد وغلبة العامية عليه. ولن نستطيع أن نفصل الحديث فى الحركة الشعرية لاتساع جوانبها ومناحى القول فيها، بل سنعمد إلى غير قليل من الاجمال فى عرض أغراض الشعر ومن جلّى فى كل غرض، متخذين ممن نذكرهم رموزا لمن عاصرهم-وكذلك لمن خلفهم-من الشعراء، ونستهل ذلك بالحديث عن غرض المديح والنابهين من شعرائه على مر العصور.

[شعراء المديح]

أخذت سوق المديح تنفق فى الاقليم التونسى مع قيام الدولة العبيديّة التى كان خلفاؤها يتخذون منه منشورات للدعاية لحكمهم، ومرّ بنا ذكر بعض مادحيهم، ومن أهمهم أبو القاسم الفزارى المتوفى سنة ٣٤٥ وله مدحة بديعة فى المنصور الفاطمى حين انتصر على مخلد بن كيداد الثائر الخارجى سنة ٣٣٦ هـ‍ وفيها يذكر من اشتهروا فى الجاهلية والإسلام بالشرف والجود والبأس، ثم يأخذ فى مديح المنصور وأنه لا يقل عنهم بأسا وجودا وشرفا بمثل قوله (١):

كريم المساعى والأيادى سمت به ... أبوّة صدق من ذؤابة هاشم

شريف الأدانى والأقاصى مهذّب ... إذا ما عددنا فضل أهل المكارم

وكان يعاصره على بن الإيادي، وسنخصه بكلمة. ويدور الزمن ونلتقى بحكام الدولة الصنهاجية، وكانوا بحورا فياضة، فجذبوا إليهم الشعراء من كل بلدة ومكان فى الإقليم التونسى، وتجلّت مواهبهم الشعرية الخصبة فى مدائحهم، من ذلك قول ابن سفيان فى المنصور الصنهاجى المتوفى سنة ٣٨٦ للهجرة (٢):

ومعترك ضاق الفضا فى مقامه ... من الطّعن والأرض العريضة خاتم

تجلّى لها المنصور فانجاب جنحها ... ولبّته فى لثم التراب الجماجم (٣)

قناتهم فى حيث لا السيف ينتضى ... كأن ضياه فى التراقى تمائم (٤)

كأن الطّلا وسط العجاج خناصر ... وقد صيغ من بيض الفرند خواتم (٥)


(١) مجمل تاريخ الأدب التونسى للاستاذ حسن حسنى عبد الوهاب ص ٨٦.
(٢) أنموذج الزمان فى شعراء القيروان جمع وتحقيق محمد العروسى المطوى وبشير البكوش ص ١٠٠.
(٣) الجنح: الظلام.
(٤) ينتضى: يسلّ من عمده.
(٥) الطلا: الأعناق. الفرند: السيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>