وللشيخ الشبراوى بعض غزليات رقيقة، كان يفرد لها أحيانا مقطوعات قصيرة، وأحيانا يجعلها فى مقدمات مدائحه على عادة الشعراء السابقين، ومن قوله فى مقدمة إحدى مدائحه لعبد الله الكبورى:
أعد خبر العذيب وساكنيه ... وكرّر طيب ذكرهم عليّا
فإنهم-وإن هجروا وصدّوا ... أحبّ الناس كلّهم إليّا
وواضح أن صياغة الشبراوى جيدة، وفى شعره وشعر أمثاله من معاصريه ما يدل على أن الشعر كانت لا تزال فيه أيام العثمانيين بقية من حيوية وحياة.
[٥ - شعراء المراثى والشكوى]
نشط الرثاء فى مصر من قديم، ونلتقى به زمن الولاة فى العهد الأموى، ولعل أهم وال رثاه الشعراء حين موته عبد العزيز بن مروان، وكان-كما مرّ بنا-ممدّحا، وتصادف أن توفى بعد وفاة ابنه الأصبغ بنحو شهر، فبكاهما الشعراء، وسجل الكندى بكاءهم لهما فى كتاب الولاة والقضاة كما سجل بكاءهم لدارهما المذهبة حين أمر مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين بحرقها وهو فارّ بمصر وجيش العباسيين يطارده، وكان عبد العزيز قد تأنق فيها، وكأنما عزّ على مروان أن تصير للعباسيين.
ونمضى فى زمن الولاة وتلقانا فى كتاب الولاة والقضاة مراث مختلفة لنفر منهم ولبعض الشخصيات العربية، وفى رأينا أن أهم مرثية خلفتها تلك الحقبة مرثية المعلّى الطائى لجاريته، وقد أشرنا إليها فيما أسلفنا من حديث. وتظلّ الدولة الطولونية مصر، ومرّ بنا ما كفلته لمصر من استقلال عن بغداد ومن نهضة عمرانية وعلمية وأدبية وما أقامته من آثار عظيمة فى مقدمتها قصر ابن طولون وميدانه الذى حوله خمارويه إلى بستان رائع واتخذ فيه بركة من الزئبق، واتخذ لنفسه فى قصره مجلسا سماه مجلس الذهب نقش على جدرانه صور بارزة له ولحظاياه وعلى رءوسهن أكاليل الذهب المرصعة بالجواهر. وأغدقت الدولة على الشعراء إغداقا واسعا، فلما قضى عليها جيش الخلافة العباسية بقيادة محمد بن سليمان-كما أسلفنا-وهدمت آثارها بكاها الشعراء وبكوا آثارها