للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدموع غزار من مثل قول إسماعيل بن أبى هاشم (١):

قف وقفة بفناء باب السّاج ... والقصر ذى الشّرفات والأبراج (٢)

وربوع قوم أزعجوا عن دارهم ... بعد الإقامة أيّما إزعاج

فانظر إلى آثارهم تلقى لهم ... علما بكل ثنيّة وفجاج (٣)

ولسعيد القاصّ مرثية طويلة للدولة وآثارها احتفظ بها الكندى (٤) فى كتابه الولاة والقضاة، واقتطف بعض أبياتها ابن تغرى بردى وأنشدها مع ما أنشد من مراثى الشعراء للدولة وما كانت أقامت من قصور ومبان وآثار فخمة ضخمة، ومن قول ابن أبى هاشم مخاطبا القصر وقد خلا من سكانه:

بالله عندك علم من أحبّتنا ... أم هل سمعت لهم من بعدنا خبرا

وتكاثر الشعراء-كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع-لعهد الدولة الإخشيدية، غير أنهم لم يبكوها حين دخل جوهر الصقلى مصر واستولى عليها باسم إمامه المعز لدين الله سنة ٣٥٨ وقد يرجع ذلك إلى أن مدة الإخشيد لم تطل، وخلفه ابنه أنوجور حتى سنة ٣٤٩ فأخوه على حتى سنة ٣٥٥ وكان كافور مدبر مملكتهما، ولم يكن لهما من السلطان شئ. وخلف عليا كافور حتى سنة ٣٥٧ وتوفى فخلفه أحمد بن على بن الإخشيد وعمره إحدى عشرة سنة، واضطربت أمور مصر اضطرابا شديدا، ولم يتداركها الخليفة العباسى ببغداد، وسرعان ما دخلت رايات المعز الفاطمى بقيادة جوهر، واستولى على البلاد دون مقاومة تذكر، وكأنما تنفست مصر الصعداء بزوال هذه الدولة فلم يبكها أحد من شعرائها على نحو ما بكوا الدولة الطولونية.

وتلقانا فى أوائل الدولة الفاطمية مراث مختلفة لتميم بن المعز أوّل خلفائها بمصر، وكان أكبر أولاده، وكان المظنون أن يتخذه ولى عهده، غير أن سيرته السيئة جعلت أباه يصرف ولاية العهد عنه إلى أخيه عبد الله، حتى إذا توفى مبكرا سنة ٣٦٤ حولها إلى أخيه نزار الذى تلقب بلقب العزيز، ولتميم مرثية فى أخيه عبد الله مطلعها (٥):

كل حىّ إلى الفناء يصير ... والليالى تعلّة وغرور


(١) النجوم الزاهرة ٣/ ١٤٠ وانظر الولاة والقضاة ص ٢٥٢
(٢) باب الساج: أحد أبواب القصر.
(٣) الثنية: الطريق فى الجبل، والفجاج. الطرق. وكان ابن طولون قد بنى مدينة القطائع فوق قلعة الجبل.
(٤) الولاة والقضاة ص ٢٥٣.
(٥) ديوان تميم بن المعز لدين الله الفاطمى (طبع دار الكتب المصرية) ص ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>