صناعة. وبذلك كان فتح العثمانيين لمصر كارثة من كل وجه، لم تكن كارثة سياسية فحسب، بل كانت أيضا كارثة علمية وفنية وصناعية، وحتى مسرح خيال الظل شاهده سليم فأنعم على صاحبه بطائفة من الدنانير، كما يقول ابن إياس، وخلع عليه قفطانا مذهبا، واصطحبه معه إلى القسطنطينية. وعلى هذا النحو انتكست مصر انتكاسة لم تستطع أن تفيق منها إلا بعد فترة طويلة.
وقد ضاعت منها حينئذ مواردها التجارية وما كان لها من مكانة فى التجارة العالمية بين الشرق والغرب، وضاعت مواردها الصناعية، فقد غادرها مهرة الصناع إلى القسطنطينية، ولم يبق لها إلا الزراعة، والعثمانيون والمماليك يعتصرون خيراتها وطيباتها من الرزق، حتى لا يبقى للفلاح سوى البؤس والضنك وشظف الحياة. وربما كان خير ما يصور تعاسة الفلاحين المصريين فى هذه الفترة كتاب «هز القحوف فى شرح قصيدة أبى شادوف» ليوسف الشربينى وهى قصيدة عامية هزلية ومثلها شرحها، وهما يحملان سخرية لاذعة بالحكم العثمانى للمصريين وما أرهق به العثمانيون والمماليك الفلاح المصرى من عسف وظلم لا يدانيه ظلم، ظلم جرّ أفظع ما يمكن من الجهل والبؤس، حتى ليصبح أفخر طعام الفلاح خبز الشعير والجين القريش (الخالى من الدهن) والبصل والعدس والبيسار ومن ورائه سياط السخرة. وهو يسوق ذلك فى أسلوب فكه يحمل كثيرا من السموم.
٥ - التشيع: الدعوة (١) الفاطمية الإسماعيلية
مرّ بنا-فى غير هذا الموضع-أن مصر دخلت فى بيعة على بن أبى طالب بالخلافة وأنه اختلف عليها ولاة من قبله، غير أن ذلك لا يعنى أنها اتخذت التشيع عقيدة، وحقا كان يحدث فيها أحيانا تحركات لبعض العلويين وبعض شيعتهم وأنصارهم، غير أنها لم تكن تحركات مذهبية، إذ لم تكن تعدو أن تكون نصرة لعلوى بعينه. وتمضى مصر معتنقة لمذهب أهل السنة بعيدة عن العقيدة الشيعية، وينزلها دعاة الدولة الفاطمية حين تأسست بالمغرب، ولم يفلح أحد منهم
(١) انظر فى هذه الدعوة رسالة افتتاح الدعوة للقاضى النعمان بن محمد (طبع بيروت) وكذلك دعائم الإسلام له (طبع دار المعارف) وراحة العقل للكرمانى (طبع القاهرة) والمجالس المستنصرية (طبع دار الفكر العربى) وكذلك الهمة فى آداب اتباع الأئمة. وانظر كتاب العقيدة والشريعة فى الإسلام لجولد تسيهر (الطبعة العربية) ص ٢١١ وما به من مراجع وكتاب أصول الإسماعيلية لبرنارد لويس (من منشورات مكتبة المثنى) وكتاب فى أدب مصر الفاطمية للدكتور محمد كامل حسين وما به من مراجع وخاصة للمستشرق إيفانوف.