فى حملها على الثورة ضد العباسيين، وكأن دعوتهم لم تكن تلبث أن ترتد معهم إلى المغرب.
وما نصل إلى سنة ٣٥٨ حتى يفتحها جوهر الصقلى وينشئ بها القاهرة ويتخذها الفاطميون حاضرة لهم، ويقيمون بها دولة شيعية إسماعيلية وتظل مصر متمسّكة بعقيدتها السنية. ومرّ بنا أن فرقة الشيعة الإمامية انقسمت فى زمن مبكر إلى اثنى عشرية يؤمنون بأن الإمامة انتقلت من جعفر الصادق سادس الأئمة إلى ابنه موسى الكاظم وتوالت بعده فى خمسة من الأئمة آخرهم محمد المهدى المنتظر المختفى منذ سنة ٢٦٠ للهجرة. وإلى إسماعيلية يؤمنون بأن الإمامة انتقلت من جعفر الصادق إلى ابنه إسماعيل المتوفى فى حياته لأن الإمامة عندهم تنتقل إلى الابن الأكبر حتى لو مات فى عهد أبيه. ومرّ بنا كيف أن عبد الله بن ميمون القدّاح نظم الدعوة الإسماعيلية، وأن أحد دعاتها هيأ لعبيد الله الفاطمى حكم تونس فنزلها وأعلن دعوته سنة ٢٩٧، وخلفه القائم فالمنصور فالمعز الذى اتسع بالدولة ومدّ حدودها شرقا إلى الشام.
ويؤمن شيعة الفاطميين الإسماعيلية بمجموعة من المبادئ أولها فكرة أن إمامة المسلمين الشرعية إنما هى لعلى وأبنائه من أئمتهم المنحدرين من السيدة فاطمة الزهراء، وكل إمام منهم وصىّ لسلفه طبقا للترتيب الإلهى فى خلافته أو ولايته الربانية على أمور الأمة. وقد بدأ الرسول صلّى الله عليه وسلم-فى اعتقادهم-فأوصى بخلافة على وإمامته من بعده، ورووا فى ذلك أحاديث حمّلوها هذا المعنى مثل:«على منى بمنزلة هرون من موسى» كما رووا أحاديث خاصة بهم تشير إلى تتابع الإمامة فى آل البيت، ووجهوا بعض الآيات القرآنية نفس الوجهة مثل قوله تعالى: {(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اِصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا)}.
ومبدأ ثان قرروه هو طاعة الإمام سواء دعا لنفسه سرّا أو علانية وجهرا، فطاعته جزء لا يتجزأ من إيمان الإسماعيلية، فهم كما يؤمنون بالله ورسوله يؤمنون بإمام العصر ويفوضون أمورهم إليه ويبذلون أنفسهم من دونه. فريضة مقدسة، ينضوون تحت لوائه ويبرءون من أعدائه ويوالونه أصدق الولاء.
ومبدأ ثالث هو عصمة أئمتهم، إذ يرفعونهم فوق المستوى الإنسانى بفضائل فطرية فيهم تجعلهم مبرّئين من الذنوب مطهّرين من الآثام، لا يتورطون فى معصية، ولا يقعون فى أى خطيئة مهما كانت صغيرة، لما ينتقل فى أصلابهم-حسب اعتقادهم-من نور إلهى ينقّى أرواحهم