للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٥ - محاورات ورسائل فكاهية ومقامات]

تلقانا فى الحقب المتأخرة من هذا العصر باليمن محاورات ورسائل فكاهية متنوعة، من ذلك محاورة لعلى بن صالح بن أبى الرجال جعل تاريخها سنة ١٠٨٥ للهجرة بين مسجد المذهب والمدرسة المرادية (١)، وكان المسجد قد بناه العثمانيون قبل مغادرتهم الأولى لليمن سنة ١٠٤٥ وأصبح فى حال رثة فلا فراش ولا سراج، فشكا حاله لمسجد جناح، فأشار عليه من باب النصيحة، لما بينهما من المودة الصحيحة، أن يتزوج بمدرسة من مدارس الأتراك، إذ النساء مصابيح البيوت، وفوّض له مسجد المذهب اختيار المدرسة التى يراها كفؤا له، وأشار عليه بإحدى مدرستين: البكيرية فريدة العصر، أو المرادية خريدة القصر. وذهب معه إلى البكيرية، فلما عرض عليها مسجد جناح الأمر أعرضت مدلّة، وقالت له: اخرج يا جناح أنت والمذهب، قبل أن تصفع وتضرب. وخرجا، وجناح يتمثل بقول ذى الرمة:

على وجه مىّ مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب الخزى لو كان باديا

ونهضا إلى المدرسة المرادية، وأفهمها جناح أن المذهب جاء معه لخطبتها، وأنه نعم الرجل الصالح، العاقل الراجح، فقبلت واشترطت على المذهب مفرشتين (سجادتين) تستتر بهما وتتجمل، وقنديلا تنتفع به ليلة تتأهل. ويمضى على بن صالح قائلا:

«فقال المذهب: من هذا كنت أحاذر، فلست على تحصيلهما بقادر، فالمفارش غالية، وليس عندى غير بسط بالية. فقال له جناح: أشهد أنك رجل وقاح. أما علمت أن المفارش كسوة أمثالها، وأنه لا يخطر البساط ببالها، وسأشير عليك بما يأسو جراحك، ويريش جناحك، فقال: سمعا لأمرك، وطوعا لحكمك. فأمرنى بما تراه، فإنى لا أتعدّاه، فقال: قد علمت أن البكيرية طردتك، وتهددتك بالضرب وتوعّدتك، فإذا كان جنح الظلام، وقد هجع النوّام، انسللت انسلال الخائف الذليل، وأخذت منها مفرشتين وقنديل (٢) فقال: قد أشرت بما فى النفس، فإنى مهمهم به من أمس. فلما نشر الظلام ثيابه، ومدّ على الأنام جلبابه، خرج من محلّه وانسلّ، وسقط عليها سقوط الطّلّ، فأخذ المفرشتين والقنديل، وعاد إلى منزله فرحا بالتحصيل، ولما أسفر ضوء


(١) نشر العرف لنبلاء اليمن بعد الألف لابن زبارة ٢/ ٢٢٤.
(٢) الكلمة منصوبة وترك نصبها للسجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>