للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصباح أشار إلى مسجد جناح، بأن المطلوب قد حصل، فانهض بنا لتمام العمل. فحملا إلى المرادية ما اشترطته. .»

وتمضى المحاورة، فتذكر أن بعض الدواوين المجاورة للمدرسة المرادية توسل إليها بماله من حق الجوار أن يحمل مسجد المذهب له مفرشة وقنديلا. يقول على بن صالح:

«فقال له جناح: عاود ذلك المحل، فلعلك تظفر بالأمل. وقد كانت البكيرية جمعت من حولها من المساجد القريبة، وطلبت منها الرأى فى دفع هذه المصيبة، فأجمع رأى المساجد والمدارس، على أن يستأجروا لها حارس (١) فقالت: علىّ تحصيل الأجرة، وعليكم تحصيل رجل من أهل الخبرة، فاختاروا لها مسجد عقيل، وقالوا لها:

هذا نعم الحارس والنزيل. فلما جنّ الظلام وهجع النوّام، أقبل مسجد المذهب، وهو خائف يترقّب، فخرج عقيل ومن حوله من المساجد، وحملوا عليه حملة رجل واحد، فهرب من بينهم وفرّ، فما قعد فى مجلسه ولا استقرّ، حتى وصلت إليه المساجد على الأثر وهتف بها أن عقيلا ومن معه يغيرون عليه، فأقبلوا يهرعون إليه، واشتد بينه وبين المساجد الخصام وكثر الكلام والزّحام، فقال: اعلموا يا جيرانى، أنى راقد بمكانى، فأتت المساجد فى جنح الدياجى، تريد (٢) تسرق بساطى وسراجى، فأعينونى على الحق، وأدركونى ولما أمزّق، فرجع كل مسجد إلى مكانه. واجتمعت المساجد عند البكيرية فى الليلة الثانية، ليتفاوضوا فى دفع هذه الداهية، فأجمعوا على أن يحفروا للمذهب حفرة فى أرض، بقدر طوله والعرض، وأن يربطوا الشّباك إلى جانب المئذنة والشّبّاك. فسكت عنهم أيام (٣)، ثم أقبل على حين غفلة من الأنام. . فوقع فى تلك الشّباك، وكاد أن يشرف على الهلاك».

ويمضى على بن صالح فى المحاورة ذاكرا أن المساجد تجمعت من حوله، وكل منها يشكو حاله وكيف أنه صابر على ما صار إليه من الشدة، منتظرا انقضاء المدة، وأخذت المساجد تضربه وتركله، وافدة عليه رعيلا فى إثر رعيل، وهو بينهم كالأسير، قد غلبه البكاء والزفير. وبعد محاورات ومداورات يحن عليه مسجد الإمام ويرق لشكواه، ويدعو له المدرسة المرادية فى الحال. وأقبلت تتبختر فى ثيابها تائهة على أترابها. ويهجم عليها فى غير حياء. فتغضب المساجد، وتقدمه إلى الجامع الكبير ليعظه. ويعزم على الرحيل، ويأسى مسجد الإمام له. لافتتانه بالمرادية ويطلب إلى مساجد الأبزر وطلحة والأبهر أن تتوسط له


(١) لم ينصب كلمة حارس للسجع.
(٢) حذف أن بين الفعلين كما تحذفها العامة.
(٣) ترك النصب للسجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>