للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لدى المرادية، فنهضوا إليها. وعرضوا الكلام عليها، فرفعت النقاب، وقالت: ما أشار به مسجد الإمام فهو الصواب، وتقول: «على أن ما عند المذهب من الغرام إلا بعض ما عندى، وكاد الهوى أن يخرجنى عن جلدى. . وإنى كنت لا أصلح لمثله، ولم أكن قد تزوجت من قبله، فقد أردت معرفة هذا الأمر ومعرفة الشئ خير من جهله، واشهدوا بأنى قد وكلت مسجد الإمام، يعقد لى بالمذهب، قبل أن يتبع هواه أو يترهّب. . وعقد لها مسجد الإمام بعد ما سمع شهادة الحاضرين وقال: بالرفاء والبنين».

والمحاورة طريفة فى فكاهتها خفيفة فى ألفاظها وأسجاعها، وهى تمتد إلى نحو اثنتى عشرة صحيفة، ولها قيمة تاريخية، لأنها تصور ما أصاب مساجد صنعاء فى عصر الكاتب من عدم العناية بفرشها ومصابيحها وتجصيصها أو طلائها بالجصّ وترميم جدرانها وما تآكل من حيطانها، ولعلى بن محمد العنسى المترجم له بين الشعراء رسالة فكهة، كتبها على إثر أمر للإمام الزيدى القاسم بن الحسين (١١٢٨ - ١١٣٩ هـ‍) الملقب بالمتوكل أمر به الفقيه الزهوانى أن يعطيه عشرين قدحا من الشعير، وقد سماها: الروض الأقحوانى فى الشعير الزّهوانى. وكان قد أعطاه أربعة أقداح وأخذ يمطله ويؤجله فى البقية فكتب إلى القاسم بن الحسين متفكها (١):

«مولاى حامى حمى الدين، وحافظ بيضة المسلمين، خلّد الله إقباله، وضاعف جلاله، حوّلتم للمملوك بعشرين قدحا على الفقيه الزّهوانى، الذى لا تقبض الحوالة منه إلا بالأمانى، فسلّم للمملوك منها أربعة أقداح شعير كان قدسها عنها خازن الإمام صلاح الدين فى ذلك العصر، فتركها فى زاوية من زوايا القصر، ثم مرّت عليها الأعوام والدهور. .

وغمرها التراب إلى كعب الشّراك (٢). لما استولت على اليمن علوج الأتراك. ثم لاحت أنوار الدولة القاسمية التى لبس الدهر بها شبابه، وزان جبينه بأشرف عصابه. وقد صار ذلك الشعير دفينا تحت ترابه. وقد ذهب لبّه لطول المدة فلم يبق غير إهابه. ثم تعاقبت على المخزن أيدى الخزّان ولكنهم لم يبلغوا فى التحرى والتفتيش ما بلغه هذا الرجل النصيح، ذو الطبع المرضىّ والخلق الشحيح، فإنه لفرط الأمانة لم يترك التلفت على الزوايا، ولا أهمل المثل السائر: كم فى الزوايا من الخبايا، فعثر فى بعض لفتاته على تلك الزاوية التى اشتد ظلامها، وخفيت أعلامها، فرأى شيئا مجموعا، وتلاّ مرفوعا. . فلاحت له منه شعيرة بغير شعوره، أسرف لأجلها فى حبوره، وتصحيف سروره (٣)، فأمر بإثارة ذلك الكنز


(١) نشر العرف ٢/ ٢٩٥.
(٢) الشراك: الحذاء.
(٣) تصحيف سروره: يقصد شروره.

<<  <  ج: ص:  >  >>