للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فقهاء صقلية بعده محمد بن يونس التميمى من مدينة مازر المتوفى سنة ٤٥١ وقد لقب بالإمام الأكبر لتبحره فى الفقه المالكى وجاءه الناس للفتوى، وله مؤلف جيد فى مسائل كتاب الموطأ للإمام مالك، وله إضافات مفيدة وتعليقات علمية جيدة على مدونة سحنون. وكان يعاصره عبد الحق بن محمد القرشى الصقلى، لزم حلقات الشيوخ فى بلده حتى ارتوى منها، ورحل للحج ولقاء الشيوخ والفقهاء الكبار والتقى بأبى ذر الهروى شيخ المالكية فى هراة وبالقاضى عبد الوهاب المالكى شيخهم فى العراق كما التقى فى حجة ثانية بإمام الحرمين الجوينى وسأله عن مسائل أجابه عنها وسجل ذلك فى أحد كتبه، وكان يدرس لطلابه فى بلرم مدوّنة سحنون التى جمعت أصول المذهب المالكى، يقول ابن فرحون أيضا عنه: «كان مليح التأليف، ومن مؤلفاته كتابه «النكت والفروق لمسائل المدونة» ويقول ابن فرحون أيضا إنه «عاد إليه بالتغيير والتبديل ورجع عن كثير من اختياراته وتعليلاته» وله كتاب فى الفقه المالكى كبير باسم «تهذيب الطالب» وله استدراك على تهذيب المدونة للبراذعى وله كتاب فى بسط ألفاظ المدونة، وكأن أعماله الفقهية انحصرت فى خدمة مدونة سحنون. وحاز شهرة كبيرة فى حياته وكان كثير الارتحال، فدرس عليه فى القيروان-كما فى الصلة لابن بشكوال-ابن الخياط ومحمد بن نعمة الأسدى، ودرس عليه فى صقلية من الأندلسيين أبو بكر بن الحصار، وهاجر إلى الأندلس من تلامذته الصقليين-ثابت الفقيه الصقلى، وتوفى بالاسكندرية سنة ٤٦٦ هـ‍/١٠٧٣ م ويبدو أنه رحل عن بلرم بمجرد استيلاء روجار الأول ملك النورمان عليها سنة ٤٦٤ هـ‍/١٠٧١ م.

٤ - الثقافة (١) فى العهد النورمانى

دخل النورمان صقلية والحركة العلمية بها مزدهرة، وهالهم ما رأوا فيها من حضارة ومدنية إسلاميتين، وشعروا بوضوح أنهم فى حاجة، بل فى أشد الحاجة إلى أن يجلسوا من سكانها العرب مجلس التلامذة من أساتذتهم فى الزراعة والصناعة والتجارة وفى الثقافة والعلوم والفنون المختلفة، ودفع روجّار الأول ابنه روجار الثانى إلى تعلم العربية وإلى الإكباب على علومها وفنونها، وبالمثل دفع روجار الثانى ابنه غليوم الأول إلى التزود من هذه العلوم والفنون ما وسعه


(١) انظر فى الثقافة بالعهد النورمانى نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق للإدريسى ورحلة ابن جبير، وخطط المقريزى، والخريدة للعماد الأصبهاني، وإنباه الرواة للقفطى، وطبقات القراء لابن الجزرى، وابن خلكان، ومقدمة ابن خلدون، والقسم الثالث من ورقات عن الحضارة فى إفريقيا التونسية، والعلم عند العرب لألدومييلى ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار، والعرب فى صقلية للدكتور إحسان عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>