تميم. وطبيعى أن تزدهر قراءة القرآن فى صقلية مثلها فى ذلك مثل جميع البلاد الإسلامية، وكانت مثل تونس والبلاد المغربية-تقرأ بقراءة ورش المصرى عن نافع وعادة يوصف المقرئ بأنه مفسر للقرآن مما يدل على أن المقرئين للذكر الحكيم فى صقلية كانوا كثيرا ما يعنون بتفسيره حتى تفهم الناشئة ما تحفظه منه، ونجد حمل محمد بن خراسان المار آنفا لكتاب إعراب القرآن للنحاس يحدث فى صقلية نشاطا فى هذا الموضوع فإذا أبو طاهر إسماعيل بن خلف الصقلى المتوفى سنة ٤٥٥ هـ/١٠٦٣ م يؤلف كتابا فى إعراب القرآن كان فى تسع مجلدات، وسنترجم- فيما بعد-لابن ظفر الصقلى وله فى التفسير ثلاثة كتب.
وعلى نحو ما كان إقراء الذكر الحكيم وإعرابه وتفسيره ناشطا فى صقلية كانت-بالمثل- رواية الحديث النبوى، إذ كان حفّاظه النابهون كثيرين من مثل أبى بكر الحصائرى، ومن أهم حفاظها عتيق السمنطارى وقد نوه به ياقوت فى الحديث عن بلدته «سمنطار» فى كتابه «معجم البلدان» وكان قد لزم حلقات الشيوخ فى بلرم حتى أخذ ما عندهم، وارتحل إلى لقاء الشيوخ ونزل مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، واتسع فى رحلته فأخذ عن شيوخ اليمن وفارس وخراسان والشام ومصر، وكان يلقى فى تلك البلدان بجانب شيوخ الحديث وحفاظه العبّاد والنساك ويكتب ما يسمعه من الفئتين، وصنف كل ما جمعه عنهم، كما صنّف فى الفقه تأليفا كان فى غاية الترتيب والبيان. وكان يدرس لتلاميذه فى صقلية الحديث النبوى وكتاب الموطأ فى الفقه المالكى، وتوفى سنة ٤٦٤ هـ/١٠٧١ م حين احتل روجّار الأول ملك النورمان بلرم.
وأكثر فقهاء المالكية بصقلية كانوا محدّثين لأن الموطأ لمالك كتاب فقه وحديث وكان نشاط الفقه بصقلية واسعا جدا، وهيّأ لذلك أن كان قضاة صقلية-منذ أول الأمر-يحاضرون الناس فى الفقه المالكى عمدتهم فى القضاء يتقدمهم فى ذلك سالم بن سليمان الكندى الذى ولى القضاء فى صقلية سنة ٢٨١ هـ/٨٩٤ م وقد عمل بكل جهده على نشر مذهب مالك فى صقلية كما فى كتاب رياض النفوس. ونزلها تلميذ من كبار تلامذة الإمام ابن أبى زيد فقيه القيروان المتوفى سنة ٣٨٦ هـ/٩٩٦ م هو البراذعي خلف بن أبى القاسم وكان زملاؤه من فقهاء القيروان يزورون عنه، فلم تحصل له بها رياسة، فرحل إلى صقلية، وقصد أميرها فى بلرم، فحصلت له عنده مكانة طيبة، وعنده ألف كتابه التهذيب فى اختصار مدونة سحنون فى الفقه المالكى يقول ابن فرحون وعليه معول الناس فى صقلية والمغرب والأندلس، وطارت شهرته فى العالم الإسلامى وكتبت له شروح مختلفة، وألف بصقلية أيضا كتابا فى التمهيد لمسائل المدونة وكتاب الشرح والتتمات لمسائل المدونة، وله أيضا اختصار الواضحة من كتب الفقه المالكى يقول ابن فرحون: وعليه اعتماد طلبة العلم للمذاكرة وكان ابن أبى زيد قد جمع ما فى الأمهات من المسائل والخلاف والأقوال فى كتابه النوادر فنقل البراذعي معظمه فى كتابه على المدونة. ويبدو أنه توفى بصقلية فى أوائل القرن الخامس الهجرى.