منذ ظهور الإسلام وإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم معلمين إلى القبائل والقرى فى الجزيرة العربية يعلمون الناس شئون دينهم الحنيف اختطت الحركة العلمية لنفسها جداول ظلت تتدفق فى كل ركن من أركان الجزيرة، وظلت تمدها جداول من البصرة والكوفة وبغداد ودمشق والفسطاط والقاهرة وكل مدن العالم الإسلامى. ومعروف أنه من أهم ما يميز الحركة العلمية العربية فى جميع ديار العرب وأقاليمهم أنها عامة، وليست خاصة بإقليم معين، إذ كان كل ما يظهر بإقليم من مصنفات علمية سرعان ما يفد على الأقاليم الأخرى، وسرعان ما تتعهده وتضيف إليه إضافات كثيرة.
ومعنى ذلك أننا إذا تحدثنا عن الحركة العلمية فى الجزيرة العربية لهذا العصر لم يكن مؤدى ذلك أنه كان لها حركة علمية مستقلة، فقد كانت حركتها العلمية فرعا من فروع الشجرة الكبرى، شجرة الحركة العلمية العربية العامة، إذ نلتقى فى كل مكان بأسماء الكتب العلمية المهمة المعروفة لنا فى بغداد وغير بغداد، وكأنه كان هناك نهر كبير للثقافة العربية كانت جداوله ونهيراته تجرى فى كل مكان وفى كل دار من أقصى الشرق فى خراسان إلى أقصى الغرب فى الأندلس.
وتتغلغل جداول هذه الثقافة حتى فى نجد: البيئة التى يظنّ أنها كانت بعيدة عن الحركة
(١) انظر فى الحركة العلمية ترجمة ابن دريد والسيرافى فى ابن خلكان والعقد الثمين وتاريخ عمارة اليمنى والعقود اللؤلؤية وسلافة العصر لابن معصوم ونشر العرف لزيارة والبدر الطالع للشوكانى والنور السافر للعيدروس وتاريخ مكة لأحمد السباعى (مطابع دار قريش بمكة) وثغر عدن لبامخرمة والمقتطف من تاريخ اليمن للجرافى وتاريخ الشعراء الحضرميين للسقاف وصفحات من التاريخ الحضرمى لسعيد عوض باوزير وتحفة الأعيان لنور الدين السالمى وعمان تاريخ يتكلم لمحمد السالمى وعساف وشعراء هجر من القرن الثانى عشر إلى القرن الرابع عشر لعبد الفتاح الحلو وساحل الذهب الأسود لمحمد سعيد المسلم.