للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ -

كثرة الشعراء

طبيعى أن لا نلتقى بشعراء كثيرين فى الجزائر طوال القرن الأول الهجرى وشطر غير قليل من القرن الثانى إلا ما كان يجرى على ألسنة بعض نزلائها من العرب، حتى إذا تأسست الدولة الرستمية فى تاهرت (١٦٠ - ٢٩٦ هـ‍) وأخذت تعنى بتعليم العربية ونشرها بين الجزائريين، حينئذ أخذ جيل ناشئ يتقنها ويتقن نظم الشعر، وكان من حكام هذه الدولة من أحسن نظمه، مثل الإمام أفلح بن عبد الوهاب الرستمى (٢١١ - ٢٤٠ هـ‍) وله قصيدة طويلة فى الدعوة إلى العلم والتعلم وبيان منزلة العلماء. وكانت الأسرة الرستمية جميعا تهتم بالحركتين العلمية والأدبية، وأخذ الشعر يتدفق على بعض الألسنة، وأنتجت الجزائر فى عهدها أكبر شاعر عرفته فى القرن الثالث الهجرى، ونقصد بكر بن حماد المتوفى سنة ٢٩٦ هـ‍/٩٠٨ م وكان له ديوان شعر كبير، وعاصره شاعر يسمى ابن حزاز التاهرتى.

وكان القسم الشرقى من الجزائر-حينئذ-تابعا للدولة الأغلبية فى القيروان، ثم تبع الدولة العبيدية مع الجزائر جميعها ثم أصبح تابعا للدولة الصنهاجية وحكامها فى القيروان، ولذلك كان شعراؤه يرحلون إلى العاصمة المذكورة حين تتفتح ملكاتهم الشعرية، إذ كانت مركز الحركة الأدبية فى الدولة، وقد يظلون بها ويتخذونها موطنا لهم، كما حدث لابن رشيق، وهو ما جعلنا نسلكه بين شعراء القيروان لأن مرباه الأدبى تكامل فيها. ومنهم من نظن أن مرباه الأدبى تكامل فى الجزائر ثم هاجر منها إلى القيروان أو غيرها، مثل محمد بن الحسين الطبنى الذى هاجر بأسرته الطبنية إلى قرطبة فى الأندلس واستقر بها. وممن نزل القيروان بعد نضجه الأدبى فى موطنه بالجزائر عبد الكريم النهشلى المتوفى سنة ٤٠٣ هـ‍/١٠١٢ م وهو من المسيلة (المحمدية) ومنهم ابن قاضى ميلة المعاصر للنهشلى، والحسن بن محمد التميمى المعروف باسم ابن الربيب المتوفى سنة ٤٢٠ هـ‍/١٠٢٩ م وهو من تاهرت ومثله على بن أبى الرجال الفلكى المشهور المتوفى سنة ٤٢٥ هـ‍/١٠٣٣ م فهو أيضا تاهرتى.

وكان حماد بن بلكين قد عقد له أخوه المنصور على مدينتى أشير والمسيلة (المحمدية) وضم إليهما أيام ابن أخيه باديس المغرب الأوسط وأخذ يفكر فى الاستقلال عن باديس والقيروان واختط مدينة القلعة سنة ٣٩٨ هـ‍/١٠٠٧ م وتمّ له استقلاله سنة ٤٠٨ هـ‍/١٠١٧ م كما مرّ بنا فى الفصل الأول، واستكثر حماد فى القلعة من المساجد والفنادق، واتسعت فى التمدن، وكان مثقفا قرأ الفقه بالقيروان ونظر فى كتب الجدل، وعنى فى قلعته بالحركة العلمية، ورحل إليها من الثغور القاصية-كما يقول ابن خلدون-طلاب العلوم. وتبعه أبناؤه وأحفاده فى الدولة الحمادية بالقلعة ثم ببجاية منذ نقل إليها المنصور بن علناس (علاء الناس) عاصمة الدولة

<<  <  ج: ص:  >  >>