مرّ بنا أن الدعوة الوهابية السلفية قامت على الرجوع بالإسلام إلى صورته البسيطة الأولى وتخليصه من كل ما دخل عليه من شوائب، كتقديس الأولياء، والاعتقاد فيهم أنهم-كما يقولون- ينفعون الناس حتى فى قوتهم، مما جعلهم يزورون أضرحتهم ويتوسلون إليهم أن يباركوا زروعهم وإبلهم وأنعامهم وشاءهم. وينبغى-فى رأى ابن عبد الوهاب-أن يكفّ المسلمون عن مثل هذه الاعتقادات وأن يعودوا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، فهما المصدران الأساسيان للإسلام وأحكامه، والمدار فى الدين إنما هو على النقل، أما العقل فيتخذ شاهدا ولا يستخدم حكما. وهذه الدعوة-كما قدمنا-تستضئ بأفكار ابن تيمية وإمامه أحمد بن حنبل الذى كان يقدم المنقول على المعقول، فالمنقول من الكتاب والسنة أولا، والمعقول يليه ويأتى ثانيا، ولا يصح التقرب إلى الله بزيارة الولى الصالح، فضلا عن زيارة جدثه ورفاته. وتشدد ابن عبد الوهاب قائلا إن ذلك يعنى الشرك بالله أن يزور شخص قبور الأولياء ويدعو عندها، طالبا جلب منفعة أو دفع أذى، إذ يظن أن الولىّ من شأنه أن يعينه على ذلك، والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم فى كتابه:(قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرّا إلا ما شاء الله). وعلى هذا النحو تشدد محمد بن عبد الوهاب فى أنه لا يجوز إشراك غير الله معه فى الدعاء، كأن يقول القائل المتوجه إلى ربه: أسألك بحق فلان من الصالحين، بينما الله عز وجل يقول:(فلا تدعوا مع الله أحدا). وبالمثل لا يجوز طلب الشفاعة من ولى أو غيره، لمثل قوله تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ}. وينبغى أن تلغى النذور للأولياء جملة، إذ النذور إنما تكون لله ولا يصح إشراك أحد معه فيها، ومن أكبر صور الشرك-فى رأى محمد بن عبد الوهاب-الإيمان بأن هناك من يعلمون الغيب من المنجمين أو أصحاب السحر والشعوذة، والله يقول:{وَلِلّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ويقول: {فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً} فمن ظن أن هناك من يعلم الغيب فقد جعل لله مثيلا فى صفة علم الغيب المقصور على الله جل شأنه. ومدّ حملته إلى المتصوفة والطرق الصوفية، فأنكرها ودعا إلى إلغائها إلغاء باتا وإلغاء كل ما اتصل بها من حلقات ذكر وأوراد ودلائل خيرات، فكل هذه-فى رأيه-بدع لم يعرفها الإسلام فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهود أصحابه، وينبغى أن يعود الإسلام كما كان مع التمسك بالسنة