للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنزّه الدين الحنيفىّ الذى ... لولا الإمام القطب لم يتنزّه

بصوارم ولهاذم وضراغم ... وملاحم بلغت به ما يشتهى (١)

وواضح أنه يشيد بجنود هذا الإمام فى رأيه وشدة بأسهم، ويسبغ عليه صفات التفقه فى الدين وحمايته بسيوف قاطعة وأسود ضارية وملاحم ساحقة. ويمجد انتصارات على بن مهدى على آل نجاح الأحباش أو الذين يعودون إلى أصل حبشى، ويعود إلى الإشادة به، قائلا:

أخبار أيّام الإمام فواكه ... فأصخ بسمعك نحوها وتفكّه

سير الإمام قديمها وحديثها ... فرح القلوب وروضة المتنزّه

أشهى من الماء الزّلال على الظّما ... وألذّ من عصر الشباب الأموه (٢)

ولا شك أن ابن الهبينى يجور جورا فظيعا على الحقيقة، فقد عرضنا لابن مهدى ومبادئه، وأنه خرج فيها حتى على غلاة الخوارج، ويكفى وصمة لا تفارق جبينه أنه استباح نساء المسلمين واسترقّ الذرارى، فكان ينبغى على ابن الهبينى أن لا يسخّر شعره فى مديحه هذا المدح المفرط فى الثناء. وتنسب لابن مهدى دالية لا شك أنها من نظم ابن الهبينى، وفيها يقول على لسانه:

قسمت الرّدى والجود قسمين فى الورى ... فللمعتدى حدّى وللمجتدى رفدى (٣)

وما لى من مالى الذى كسبت يدى ... تراث أبقّيه سوى الشكر والحمد

تخوّفنى جنب بكثر عديدها ... وما لجنود الله حولى من غد

تقعقع نحوى بالشّنان وهل ترى ... عوا الكلب يخفى زأرة الأسد الورد (٤)

والبيت الرابع يشهد بأن القصيدة من نظم ابن الهبينى، إذ جلب فيه عبارة من عبارات الحجاج فى خطبته التى أشرنا إليها آنفا فقد قال فى تضاعيفها: إننى لا أغمز تغماز التين ولا يقعقع لى بالشنان، وهى القرب البالية، وكانوا يحركونها إذا استحثوا الإبل على السير لتفزع فتسرع. وابن الهبينى مثل أبى إسحق الحضرمى لا يعرف زمن مولده ولا زمن وفاته، ولكن من المؤكد أنه عاش فى زمن دولة بنى مهدى، وربما لم تمتد به الحياة بعدها أو ربما فارق الحياة قبل قضاء توران شاه عليها فى نهاية العقد السابع من القرن السادس.


(١) الصوارم واللهاذم: السيوف. الضراغم: جمع ضرغام:
(٢) الأموه هنا: الناضر.
(٣) رفدى: عطائى.
(٤) الورد: الشجاع الجرئ.

<<  <  ج: ص:  >  >>