للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من رحيله، فقد مات دون أمنيته، وشعره يفيض بالحقد على ابن ماء السماء وأصحابه الحيريين، بينما يفيض شعر عبيد بن الأبرص شاعر بنى أسد بالسخرية منه وبيان عجزه عن استرداد ملك آبائه مع الوعيد الشديد والتهديد.

٣ - مكة وغيرها من مدن الحجاز (١)

فى منتصف الطريق المعبّد للقوافل بين اليمن والشام تقوم مكة فى واد من أودية جبال السّراة، تحفه الجبال الجرداء من كل جانب، وقد وصفها القرآن الكريم بأنها «بواد غير ذى زرع». وهى تتراءى لنا فى العصر الجاهلى ممسكة بزمام القوافل التجارية، كما تتراءى لنا أكبر مركز دينى للوثنية الجاهلية. ويقال إنه كان يسكنها فى غابر الأزمنة قبائل من جرهم وبقايا من الأمم البائدة، ثم نزلتها قبيلة خزاعة اليمنية حين هاجر كثير من القبائل اليمنية إلى الشمال، ولعلها نزحت إليها لتسيطر على هذا المركز التجارى المهم. ولا نصل إلى منتصف القرن الخامس حتى يظهر بها قصى ومعه قبيلة قريش فيستولى عليها ويخرج منها خزاعة. ولا يعرف بالضبط أصل قريش، وهل هى من عرب نجد أو من العرب الأنباط الذين تراجعوا ناحية الجنوب أمام غزو الرومان لبلادهم. وقد دعم مكانتها غزو الأحباش المسيحيين لليمن، فتحولت أفئدة العرب الوثنيين إليها، وفزعت أرستقراطيتهم الشمالية والجنوبية إلى هذا المركز البعيد عن أعدائهم، وحاول أبرهة والى الحبشة على اليمن أن يستولى عليها سنة ٦٧٠ أو ٦٧١ فباءت حملته بالفشل الذريع، فزاد ذلك فى تقديس العرب لها وإعظامها وعدوّها رمزا لاستقلالهم وعزتهم وقوتهم، إذ لم تدن لأى ملك أجنبى، وفى ذلك يقول حرب بن أمية (٢):

أبا مطر هلمّ إلى صلاح ... فتكفيك النّدامى من قريش


(١) انظر فى هذه المدن تاريخ العرب قبل الإسلام ٤/ ١٨١ وما بعدها وصالح أحمد العلى ص ٧٧ وما بعدها وفيليب حتى ١/ ١٤٤ وما بعدها ودائرة المعارف الإسلامية وكتابى مكة والطائف قبل الهجرة، للامنس.
(٢) الحيوان للجاحظ ٣/ ١٤١ وصلاح هنا: مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>