للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يضق صدره بما يسمع من الألفاظ القبيحة. وأعظم ما يدخره الإنسان لنفسه تقوى الله، إذ يحمد الناس تقواه ويؤجر عليها خير أجر، ويقول إن الغنى الحقيقى هو الغنى بحمد الله لا الغنى بالفضة والذهب. وإنما سقنا بعض أبيات من هذه القصيدة، وهى تشهد لصاحبها ببراعة فائقة فى الشعر ونظمه.

٤ -

شعراء الزهد والتصوف

[(أ) شعراء الزهد]

الزهد أساس كبير فى الدين الحنيف، وزاهد الأمة الأول الرسول صلّى الله عليه وسلم، إذ عاش عيشة تقشف وزهد فى متاع الحياة الدنيا، وتبعه فى هذه المعيشة كثيرون من الصحابة، وهم مع ذلك يكسبون ما يعولهم هم وأسرهم، حتى لا يكونوا عالة وعبئا على المجتمع. وأخذ كثيرون من التابعين يؤثرون هذا الزهد وما يتبعه من التقشف. وكان-ولا يزال-مما أضرم جذوته وعظ الوعاظ الكثيرين الذين لم يخل منهم بلد إسلامى، فهم ينذرون ويخوّفون من عذاب الجحيم، ويبشرون الأتقياء والصالحين بأن لهم عند ربهم الفردوس جزاء لرفضهم المتاع الدنيوى وإقبالهم على العبادة والنسك ابتغاء لما عند الله من الثواب والرضوان الأكبر.

والمغرب الأقصى مثله مثل البلاد الإسلامية كثر فيه الزهاد والعبّاد، وكان مما عمل على كثرة الزهاد فيه والنساك الجبال الكثيرة التى كانت تتيح لهم العزلة عن الناس للعبادة كما تتيح لهم كثيرا من الثمار التى يقتاتون بها، ويحدثنا الحسن الوزان عن كثيرين منهم، رآهم منهمكين فى العبادة لربهم على رءوس الجبال كالجبل (١) الأخضر قرب آزمور، ورأى فى قلعة أغمات ناسكا ومعه مائة من تلاميذه، ويقول إنه نزل بضيافته ثمانية أيام. وأيضا مما ساعد على كثرة الزهاد هناك كثرة الملاجئ للعبادة، تبنيها لهم الدول المختلفة، مع كثرة ما كانت تبنى لهم من الزوايا، ومع كثرة ما كانت تبنى من مؤسسات المدارس ملحقة بها مبانى للشيوخ والطلاب وتكفيهم مئونتهم، فكان كثيرون منهم يتحولون زهاد ونساكا.

وذكرنا فى حديثنا عن الزهد فى فصل المجتمع المغربى أسماء طائفة من الزهاد الأولين قبل عصر المرابطين، وفيه وبعده. ويهمنا الآن أن نعرض لشعرائهم، وربما كان أهمهم فى عصر المرابطين السلالجى عبد الله بن عثمان المتوفى-كما فى روض القرطاس-سنة ٥٦٤ للهجرة وهو إمام أهل المغرب فى علوم الاعتقاد، وأنشد له صاحب الوافى هذه الأبيات (٢):


(١) وصف إفريقيا للوزان ص ١٦٩.
(٢) الوافى ١/ ٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>