الحكم الطريفة والإفاضة فى سيرة الرسول العطرة وذكر بعض معجزاته الخارقة والتنويه بمعراجه إلى السماء وقرب جبريل منه، وازدياده قربا حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى وكيف أن الله ارتضاه للأمة رسولا هاديا منذ نشأة الخليقة. ومع أن المقصورة تكتظ فى قوافى أبياتها بالألفاظ الغريبة تشيع فيها السهولة مع حسن الأداء، إذ كان شاعرا بارعا.
وحرى بنا أن نخص كلا من أبى طالب عبد الجبار وحازم القرطاجنى بكلمة.
أبو (١) طالب عبد الجبار
لم تعن كتب التراجم الأندلسية بإعطائنا معلومات وافية عن حياة أبى طالب عبد الجبار، وحقا عنى ابن بسام بالترجمة له وإنشاد أرجوزته التاريخية كاملة، غير أنه اكتفى بقوله إنه من أهل جزيرة شقر بين شاطبة وبلنسية، ونهرها يحيط بها من جميع جهاتها. وهو بذلك يشترك مع ابن خفاجة شاعر الطبيعة فى مسقط رأسه. ويقول ابن بسام إنه كان يعرف بلقب المتنبى، ويضيف أنه كان «أبرع أهل وقته أدبا، وأعجبهم مذهبا، وأكثرهم تفننا فى العلوم، وأوسعهم ذرعا (طاقة) بالإجادة فى المنثور والمنظوم».
ويذكر أنه كان يسرف فى المجون، وأنشد له خمرية اقتطفنا منها أبياتا فى الفصل التالى، ويقول إنه كان قانعا بما يسدّ حاجته من العيش، فلم يمدح أميرا ولا غير أمير بشعره، وينوه بأرجوزته التاريخية، ويقول إنها تدل على رسوخ قدمه فى العلم والمعرفة. وتدل مقدمته لها على أنه قدمها إلى أحد الرؤساء، ونظن ظنا أنه أحد ولاة دولة المرابطين على شرقى الأندلس. ولا يذكر لنا ابن بسام شيئا عن الحقبة التى عاش فيها، غير أنه أرخ فى أرجوزته ليوسف بن تاشفين سلطان المرابطين وذكر عقبه ابنه عليا السلطان بعده (٥٠٠ - ٥٣٧ هـ) وانه يقتفيه ويهتدى به فى حكمه، مما جعل العماد الأصبهانى يستنتج فى ترجمته له أنه عاش بعد سنة خمسمائة أى بعد السنة الأولى من حكم على، ومن يرجع إلى أرجوزته وحديثه فيها عن الخلفاء العباسيين يلاحظ أنه ختمهم بالخليفة المسترشد (٥١٢ - ٥٢٩ هـ) قائلا عنه:
وهو إلى الآن إمام الخلق ... والملك لله الإله الحقّ
وفى قوله):«إلى الآن» ما يدل على أنه عاش فترة فى مدة حكمة، قد تكون سبع سنوات أو أقل أو أكثر.
(١) انظر فى ترجمة أبى طالب عبد الجبار الذخيرة ١/ ٩١٦ - ٩٤٤ والخريدة للعماد الأصبهانى ٢/ ٢١٠ وما بعدها والمغرب ٢/ ٣٧١ وما بعدها.