والأرجوزة فى أربعمائة وخمسين بيتا، وقد وضع بين يديها مقدمة نثرية ذكر فيها أنه قدمها-كما أسلفنا-إلى أحد الرؤساء قاصدا بها استمناحه ونواله، ويصفه بأنه غيث مدرار وبحر فياض بالجود والكرم، ثم يذكر أنه رجع فى أرجوزته إلى كتب التاريخ قاطفا عيون زهرها وملتقطا مكنون دررها، مع الإجمال والإيجاز. ويقول إنه ذكر فى فاتحتها مقدمات من أصول الاعتقادات، ويبدؤها باسم الله والصلاة على رسوله وآله الطيبين، ويأخذ فى حمد الله مبتدع السماء والأرض والبريّة ابتداع خالق مهيمن منفرد بوحدانيته منزّه عن قول جهم بن صفوان وغيره من المجسّمة، ويدعو إلى التأمل فى ملكوت العالم وتدبيره وإحكام خلقه وأيضا إلى التأمل فى خلق الإنسان وأطواره وما وهبه الله من الحواس والحياة والرزق إلى الممات والعقل والعلم بالقلم علم التاريخ وغيره من العلوم.
وينتقل من حمد الله وإبداعه للكون والإنسان إلى الاستدلال على أنه الصانع للكون فكل ما فى الكون أجسام، والأجسام لا تصنع الأجسام، بل لا بد من صانع هو الذات العلية، وينشد:
أفّ لقول الفئة البصريّه ... أهل الهوى والفرقة الغويّه
واحذر هداك الله يا ذا الفهم ... قولهم واحذر مقال جهم
وقل بما يقول أهل الحقّ ... من مثبتى صفات ربّ الخلق
وهو يريد بالفئة البصرية المعتزلة ويشتد به الضجر من قولهم بأن صفات الله ليست زائدة عن الذات الربانية كما يشتد به الضجر من جهم وأنداده المجسمة، ويعلن أنه يقول بما يقول به أهل الحق، يريد أهل السنة ممن يثبتون له صفاته القدسية، ولعله كان يدين بعقيدة الأشعرية أتباع أبى الحسن الأشعرى. ويقول إنه يؤمن-بجانب العقل- بالنقل المتواتر للأخبار الذى ينقله الجم الغفير عن الجم الغفير أو الجماهير عن الجماهير، وهو بذلك سنى أو قل أشعرى، ولا يلبث أن يحدثنا عن الجوهر والعرض، مما يؤكد صلته بالفلسفة، يقول:
وكلّ شئ جوهر أو عرض ... إلا الذى الطّوع له مفترض
فإن فحصت قائلا ما الجوهر ... وما هو العرض إذ يفسّر
فالجوهر الحامل للأعراض ... وهو الذى ليس بذى أبعاض
والعرض المحمول كالألوان ... وحركات الجرم والإسكان
فكل ما فى الكون إما جوهر وإما عرض إلا رب البرية فإنه لا جوهر ولا عرض إذ