هو منزّه عن التجسيم وعن كل ما يتصل بالتجسيم. والجوهر-ويريد الجوهر الفرد- لا يتجزّأ، والعرض لا حق به إذ يحمله كالألوان ويلابسه ملابسة الحركة والسكون.
وينتقل إلى مقدمة ثالثة فى بيان العلم ويوصى بأن يعرف الإنسان فرق ما بين المعلوم والموهوم وأن لا يهمل العقل ويأخذ بالتقليد، ويتخذ العلم للعلم لا للمباهاة به ولا لغلبة الخصوم، ويعرّفه بأنه معرفة الشئ على ما هو به، ثم يتحدث عن أنواع العلم قائلا:
العلم علمان أيا من يبحث ... علم قديم ثم علم محدث
إن القديم علم ربّ العرش ... بارى البريّة الشديد البطش
ومحدث فذاك علم الخلق ... من ناطق وغير ما ذى نطق
وكل علم محدث علمان ... علم ضرورىّ بلا برهان
وبعده فعلم الاستدلال ... والمنطق الباحث عن أحوال
فالعلم علمان: علم قديم أزلى خاصّ بالذات العلية وعلم محدث هو علم الخلق من ناطق وغير ناطق، ثم العلم المحدث علمان أو قسمان: علم ضرورى بدون برهان وهو البديهيات كالعلم بأن اثنين ضعف الواحد وعلم يقوم على الاستدلال والمنطق وبراهينه ومقدماته الصحيحة. ويستمر قائلا: إن صانع العالم فرد صمد لا شريك له. وينعى على النصارى قولهم بالتثليث، واعتقادهم مع اليهود فى الذات العلية بالتجسيم، ويقول: جلّ جلاله عن شريك وأن يكون جسما له حد وانتهاء. ويتحدث فى مقدمة رابعة عن التفكر فى ملكوت السموات والأرض، ويقول إن كل ما فى الأرض من نبات وحيوان يدل على أن له صانعا يدبّره، وكذلك النجوم والبروج، فجميعها شواهد ناطقة بوحدانية الصانع، ويذكر أن النفس ليس لها إرادة وأنها تنقاد لقوة العقل إذ هو أعلى رتبة وأشرف، ومع ذلك قد تلحقه الآفات من غيره أو من ذاته، فدلّ ذلك على أن ربّا فوقه هو الكمال المطلق الذى ليس له نهاية تحدده. وفى مقدمة خامسة يتحدث عن بدء الخليقة وخلق البرية مهتديا بأضواء من الذكر الحكيم منشدا:
قد خلق الله السموات العلا ... كما عن الرّسول فى الذّكر تلا
أخرج من ماء دخانا فسما ... ثم دحا الأرض ليبلو الأمما
وآدم صوّر من صلصال ... فكان منه جملة الأنسال
ثم برا لآدم حوّاء ... فسكنا جنّته العلياء
وهو يشير فى الأبيات إلى ما جاء فى الذكر الحكيم من خلق السموات فى مثل قوله