للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الرحيم البرعى (١)

شاعر صوفى سنّىّ يمنى، وليس لدينا معلومات واضحة عن مولده ونشأته، ويقول ابن زباره: «هو عبد الرحيم بن على البرعى الهاجرى اليمنى سكن فى النيابتين من جبل برع باليمن، حيث اشتهر بالعلم والشعر، وتوفى سنة ٨٠٣ هـ‍/١٤٠١ م. وخطأ ما يقوله بروكلمان من أنه من شعراء القرن الخامس الهجرى وما يقوله نيكلسون من أنه من شعراء القرن الثانى عشر الميلادى. والديوان فى جمهوره مقسوم بين تسبيحات وتحميدات لله ومناجيات واستغاثات له وبيان وحدانيته ونعمه ولطفه ودلائل قدرته وبين مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به والتوسل وبيان فضائله ومعجزاته وخصائصه وصفاته. وهو فى القسم الأول يعبّر تعبيرا حارا عن تعلقه بربه، ولا يتخذ لذلك صيغة الغزل الصوفى بالذات الإلهية وما يتبع ذلك من مجاهداته الروحية فى المحبة الصوفية ونشوته بشهود الجمال الربانى وما يبعث فيه من لوعة ووجد وهيام على نحو ما نجد عند ابن الفارض مثلا، إذ نجده يحاول بكل ما استطاع التخلص من عالمه المادى ليستغرق فى العالم الربانى بل ليمحى فيه محوا وليفنى فيه فناء مطلقا. وكأنما فنيت فيه أو محيت كل إرادة وكل شعور ولم يعد يحسّ شيئا إلا الذات العلية وجمالها الذى تفيض أشعته على الوجود.

عبد الرحيم البرعى إذن ليس شاعرا صوفيا بهذا المعنى وإنما بمعنى آخر هو تمجيد الذات العلية دون اتخاذ رموز الحب الصوفى، وهو تمجيد يصور فيه عجائب الخلق الإلهى وعلم الله الذى وسع كل شئ وقدرته التى تسيطر على كل ذرة فى الكون، مع حمده على آلائه، ومع بسط بعض ما جاء فى القرآن من صفاته الربانية، ومع المناجيات والدعاء والوعظ الجميل والحض على التوبة والعمل الصالح، ومن بديع ماله قوله:

قف بالخضوع وناد ربّك ياهو ... إن الكريم يجيب من ناداه

واقصده منقطعا إليه فكلّ من ... يرجوه منقطعا إليه كفاه

هو أوّل هو آخر هو ظاهر ... هو باطن ليس العيون تراه

سل عنه ذرّات الوجود فإنها ... تدعوه معبودا لها ربّاه

وهو يستخذم كلمة «هو» فى التعبير عن الذات الإلهية، وهو استعمال مألوف عند


(١) انظر فى البرعى وأشعاره ملحق البدر الطالع لابن زبارة ص ١٢٠ وتاريخ الأدب العربى لبروكلمان. (طبع دار المعارف) ٥/ ٥٨ وقد أخطأ فى اسمه واسم أبيه فسماه عبد الرحمن بن أحمد وانظر: «فى التصوف الإسلامى» لنيكلسون (ترجمة عفيفى) ص ١٦٥ وشعر الغناء الصنعانى لمحمد عبده غانم ص ٥٥ و ١٨١ و ١٩٨ وديوانه طبع مرارا بالقاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>