للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصوفية وخاصة فى شعر الذكر، إذ يهتفون: «هو هو» بسكون الواو وكأن كل ما فى الوجود يغيب عنهم ما عدا الله، وهم يصيحون بكلمة هو وكأنها تعيّنه وحده دون سواه مع عرفانهم به وبربوبيته. والقصيدة من أهم قصائد الغناء فى اليمن (١). ويستمر البرعى فى القصيدة بمثل قوله:

أبدى بمحكم صنعه من نطفة ... بشرا سويّا جلّ من سوّاه

وبنى السموات العلى والعرش وال‍ ... كرسىّ ثم علا الجميع علاه

ودحا بسيط الأرض فرشا مثبتا ... بالرّاسيات وبالنبات حلاه (٢)

تجرى الرياح على اختلاف هبوبها ... عن إذنه والفلك والأمواه

وهو هنا يتحدث عن قدرة الله العظيمة وخلقه للإنسان وصنعه للكون وبسطه للأرض وتثبيتها برواس من الجبال وتزيينها بنبات بهيج، وتسخير الرياح بين السماء والأرض وإجراء الفلك فى البحر بريح طيبة، وكل هذا يستمده من الذكر الحكيم لبيان قدرة الله التى تبسط سلطانها على كل ما فى العالم كما قال جلّ شأنه: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} فقدرته لا تحدّها حدود. ويختم القصيدة بالتوسل إلى الله برسوله أن يشمله برحمته وكرمه وغفرانه ورعايته ورضاه، يقول:

يا ذا الجلال وذا الجمال وذا الكرم ... يا منعما عمّ الأنام نداه

اقبل توسّلنا بفضل محمد ... وبمن له فضل لديك وجاه

واشدد عرى عبد الرّحيم برحمة ... إن الحوادث قد فصمن عراه

وأنله فى دنياه كلّ كرامة ... وقه الذى يخشاه فى أخراه

وأذقه برد رضاك عنه فلم يخب ... من كان عينك بالرّضا ترعاه

وتكثر هذه التوسلات فى الديوان مع إعلان الطاعة والخضوع والتذلل لرب العالمين تذلل النفوس المخلصة المحبة لربها حبا يستأثر منها بمشاعرها وعواطفها فلا تستطيع عن تمجيد ربها انصرافا ولا حولا. ويقابل هذا القسم فى الديوان قسم ثان يمكن أن نطلق عليه اسم المديح النبوى ولكنه مديح من نوع خاص مديح كله شغف وحب وتوله وهيام ووجد وبيان لمعجزات الرسول وفضائله وشيمه الكريمة. ولا تخلو مدحة من التوسل والتضرع إليه ليكون له شفيعا عند ربه، فيشمله بعفوه ويرعاه فى دنياه وأخراه، ونسوق بعض أبيات من مدحة نونية له:

والله ما حملت أنثى ولا رضعت ... كمثل أحمد من قاص ولا دانى


(١) انظر شعر الغناء الصنعانى ص ١٨١.
(٢) دحا: بسط ووسع. الراسيات: الجبال.

<<  <  ج: ص:  >  >>