مهذّب شرّف الله الوجود به ... وخصّه بدلالات وبرهان
ومعجزات بعدّ الرّمل لو كتبت ... لم يحصها ماء سيحان وجيحان
محمد سيّد الكونين والثّقلي ... ن والفريقين من عجم وعربان
وسيحان وجيحان نهران فى آسيا الصغرى. والأبيات عذبة، ومدائح البرعى للرسول صلى الله عليه وسلم من أسلس المدائح النبوية وأخفها وقعا على الآذان، بل إنها لتمتع الأسماع حين تصغى إليها كما تمتع الألسنة حين تنطق بها لما تمتاز به من صفاء وحلاوة موسيقية. ومن روائع توسلاته قوله فى خواتيم هذه المدحة:
يا سيّدى يا رسول الله يا أملى ... يا موئلى يا ملاذى يوم يلقانى
هبنى بجاهك ما قدّمت من زلل ... جودا ورجّح بفضل منك ميزانى
واسمع دعائى واكشف ما يساورنى ... من الخطوب ونفّس كلّ أحزانى
وامنع حماى وأكرمنى وصل نسبى ... برحمة وكرامات وغفران
وكل أمله فى هذا التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتقبله فى ساحته وأن يكون ملاذه وأن يغفر له زلله وعثراته، وأن يجعله ممن ثقلت موازين حسناته، حتى يستحق رضوان ربه ونعيمه وفردوسه، وأن يكشف عنه كل ما يوائبه من الخطوب وينازله، وأن يدفع عنه كل أحزانه وهمومه، وأن يحمى حماه. وأن يسبغ عليه كرمه ورحمته وغفرانه. والرسول صلى الله عليه وسلم بذلك هو الشفيع المشفع لأفراد أمته، ممن يمنحهم الغفران والإقالة من الخطيئات والفوز بالجنان، كما يمنحهم العون فى الكوارث والخطوب وينقذهم من الضلال ويفرج عنهم الهموم، إنه الإنسان الكامل الذى يتقبل الله منه شفاعاته، وهو كمال فى الخلق والشيم لا يزال البرعى يتغنى به وبما أجرى الله على يديه من معجزات، بل إنه يقول:
كانت نبوته وآدم صورة ... فى الماء والطّين المصوّر منهما
وبه وجود الكون من عدم فقد ... ملأ الزمان تفضّلا وتكرّما
ونحس فى البيتين إيمانه بالحقيقة المحمدية التى تغنى بها البوصيرى وغيره، إذ يستلهمون الأثر المشهور: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» وكأن حقيقته أقدم من خلق آدم، وإن الكون كله ليستمد وجوده منه كما يقول البرعى فى البيت الثانى، وكأنه مبدأ الحياة، الذى يسرى فى كيان الوجود كله. ويقول فيه مادحا:
من نور ذى العرش معناه وصورته ... ومنشأ النور من نور يجسّمه
فهو من نور الله، وكل نور فى الوجود ناشئ من نوره، فنوره يشاهد فى كل نور.
ويردد البرعى دائما فضائل الرسول المثالية الرفيعة. وله مخمسان بديعان فى وصف تلك