للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما وسعه التأنق على نحو ما مرّ بنا فى غير هذا الموضع، فرأى منذر أن يتناوله فى خطبة الجمعة بالموعظة الحسنة رجاء إنابته ورجوعه عن هذا السرف المفرط.

وابتدأ منذر موعظته بقول الله تعالى شأنه: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ (١)} آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ (٢) لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ثم قال: ولا تقولوا: {سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ} {مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اِتَّقى} وما زال يصل ذلك بكلام مؤثر فى ذم تشييد البنيان وزخرفته والإسراف فى الإنفاق عليه، واستشهد بقوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} ومضى منذر يدعو إلى الزهد فى الدار الفانية والإعراض عنها وطلب ما عند الله من فراديس الجنان وأسهب فى ذلك حتى تأثر المستمعون وضجّوا بالبكاء، ودعوا الله تائبين مستغفرين وبكى الناصر واستعاذ من سخط الله وغضبه. ولمنذر مصنفات من أهمها:

«أحكام القرآن» وكان شاعرا، أما العظات فلعل واعظا فى وطنه لم يبلغ فيها مبلغه فى زمنه، وكانت له خطب مجموعة ومتداولة فى الأندلس تحمل وعظا كثيرا، ومن عظاته قوله:

«حتى متى وإلى متى أعظ غيرى ولا أتّعظ وأزجره ولا أزدجر، أدلّ على الطريق المستدلّين، وأبقى مقيما مع الحائرين، كلا إن هذا لهو البلاء المبين {(إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَاِرْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ)}.

اللهم فرّغنى لما خلقتنى له، ولا تشغلنى بما تكفّلت لى به، ولا تحرمنى وأنا أسألك ولا تعذّبنى وأنا أستغفرك يا أرحم الراحمين».

أبو (٣) بكر الطّرطوشى

هو أبو بكر محمد بن الوليد القرشى الطّرطوشى الأندلسى ولد فى سنة ٤٥١ بطرطوشة فى أعلى الشرق من الأندلس على البحر المتوسط، ويعرف بابن أبى رندقة، ويبدو أنها كنية شهر بها فيما بعد، وقد تخرج على يد أبى الوليد الباجى بسرقسطة، أحد


(١) ريع: المرتفع من الأرض وكان الناصر قد بنى الزهراء بضاحية قرطبة على جبل العروس.
(٢) مصانع: مبان من القصور والحصون.
(٣) انظر فى ترجمة الطرطوشى ومواعظه الصلة ٥١٧ وبغية الملتمس رقم ٢٩٥ والمغرب ٢/ ٤٢٤ وابن خلكان ٤/ ٢٦٢ والديباج المذهب ٢٧٦ وعبر الذهبى ٤/ ٤٨ وأزهار الرياض ٣/ ١٦٢ والشذرات ٤/ ٦٢ وحسن المحاضرة ١/ ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>