مكانتها تهبط منذ قضى الإمبراطور الرومانى تراجان على ثورة اليهود بها، وما تصل إلى القرن الثالث الميلادى حتى تصبح أنقاضا وأثرا بعد عين. وتابعت روما فى برقة صنيعها فى طرابلس من حيث العناية بالزراعة إذ كانت تعدّهما جميعا مخزنين لما يلزمها من الغلال، فحفرت لذلك كثرة من القنوات ترى-إلى اليوم-وراء ساحل برقة وقد طمرتها الرمال، كما ترى هناك آثار السدود والخزانات والصهاريج التى أقامها الرومان واليونان بطالسة وغير بطالسة فى كل مكان شمالا، وتحجب كثرتها عن البصر اليوم الأتربة والرمال التى انهالت عليها عبر القرون.
وهذا النشاط الزراعى وما اتصل به من النشاط التجارى أهّل برقة قديما لرخاء جعل المدن-بجانب مدنها الخمس المارة-تكثر فيها مثل درنة وطبرق، واشتهرت الأخيرة بأن جيزيلا أحد ملوك إسبرطة المشهورين كان يتخذها دار إقامة له.
وما يوافى العقد الرابع من القرن الخامس الميلادى حتى تغزو جموع الواندال الجرمانية الشمال الإفريقى وتسقط على ليبيا-كأمواج من جراد-تعيمو تفسد فى البلاد لنحو مائة عام، بل تدمّر وتحطم كل ما شاده الفينيقيون والقرطاجيون والرومان فى طرابلس وكل ما شاده اليونان والرومان فى برقة إلى أن تجرّد لهم القائد البيزنطى بليزير Belisaire وكشف غمّتهم عن صدر ليبيا سنة ٥٣٤ للميلاد وأصبحت-من حينئذ-تابعة لبيزنطة. ولا نصل إلى أواخر القرن السادس الميلادى وأوائل السابع حتى نجد إمبراطور بيزنطة يتبع ليبيا لحاكم الإسكندرية، إذ تذكر المصادر العربية أنه حين فتح عمرو بن العاص ليبيا كانت برقة تتبع هذا الحاكم، بينما كانت طرابلس تتبع حاكم قرطاجة بإفريقية التونسية المعروف عند العرب باسم جرجير تحريفا لاسمه الحقيقى جريجوريوس، ويبدو أنه حين رأى عمرو بن العاص يستولى على مصر سارع بالاستيلاء على طرابلس ليحوز لنفسه شيئا من الغنيمة، إذ رأى الدولة البيزنطية توشك على الانهيار.
[٣ - من الفتح العربى إلى منتصف القرن الخامس الهجرى]
لما أتمّ عمرو بن العاص السياسى البصير فتح مصر واستقامت له رأى أن يؤمّن حدودها الغربية ضد الدولة البيزنطية حاكمة الشمال الإفريقى حينذاك، فأعدّ جيشا فى أواخر سنة ٢١ للهجرة فتح به برقة، إذ استجابت له سريعا، وأرسل ابن خالته عقبة بن نافع إلى الداخل،