للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العواصف المباغتة. ويقول:

يا من رأى النهر استثار به الصّبا ... خيلا لإرهاب الغصون الميّد (١)

لما رأتها سدّدت تلقاءه ... قرنت به خيلا تروح وتغتدى

وغدت تدرّعه ولم تبخل لها ... شمس الضّحى بمسامر من عسجد

وهو يجعل ريح الصبا كأنها خيل تهبّ لإرهاب الغصون المتمايلة، ولقيته الغصون بخيل ما تزال غادية رائحة وذاهبة آتية، وأخذت تلبس النهر دروعا من ظلالها للقاء خيل الصبا، وأهدتها شمس الضحى مسامر ذهبية كى تحكم تلك الدروع على النهر، وهو خيال بديع.

ويقول فى وادى المرية بلدته:

اشرب على شدو الحمام فإنّه ... أشهى إلىّ من الغريض ومعبد

أتراه أطربه الخليج وقد رأى ... تصفيقه تحت الغصون الميّد

وكأنهنّ رواقص من فوقه ... وبها من الأزهار شبه مقلّد (٢)

وهو يجعل شدو الحمام فى سمعه أروع من غناء مغنّيى مكة والمدينة: الغريض ومعبد المشهورين فى العصر الأموى، ويقول: كأنما أطربه شدو المياه وخريرها تحت الغصون الراقصة المطوقة لجيدها بالأزهار الجميلة، ولعل فى ذلك كله ما يشهد لابن سفر بروعة أخيلته وتصاويره.

[٣ - شعراء الرثاء]

[(أ) رثاء الأفراد]

يتخذ رثاء الأفراد فى الشعر العربى منذ الجاهلية ألوانا ثلاثة، هى الندب أو النواح لموت ذوى الرحم، والتأبين بذكر فضائل الميت تبيانا لخسارة المجتمع فيه، والعزاء بتصوير الموت وأنه سنة من سنن الكون لا مفر منه ولا نجاة. ونجد هذه الألوان الثلاثة ماثلة فى الشعر الأندلسى، ونبدأ بعرض نصوص من ندب الشعراء لبعض أقربائهم من الأبناء


(١) الميد: المتمايلة.
(٢) مقلد: موضع القلادة من العنق.

<<  <  ج: ص:  >  >>