للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو دائما منها فى حجابين، حجاب حين لا يلقاها. وحجاب من دموعه حين يلقاها، وكأنها محجبة دائما، وراء أستار من الحجاب صفيقة وأستار أخرى رقيقة من الدموع الغزار. ويحدثنا ياقوت نقلا عن أحد الرواة أنه كان يلمّ ببعض الأديرة أحيانا فى طريقه إلى سامرّاء أو بعد رجوعه منها، وينشد له خمرية، ويبدو أن الخمر لم تكن من متاعه إلا فى بعض أحوال عارضة. وما زال يعنى بالتصنيف ونظم الشعر حتى توفى سنة ٢٨٠ للهجرة.

ابن (١) دريد

هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، من أزد عمان، كانت أسرته على شئ من اليسار، وقد استوطن أبوه البصرة، وفيها ولد له سنة ٢٢٣ وعنى عمه الحسين بتعليمه فألحقه منذ نعومة أظفاره بالكتاتيب ثم بحلقات العلماء، وكانت له ذاكرة عجيبة لا يكاد شئ يسمعه يفلت منها، مما أعدّه لأن يكون من كبار اللغويين فى عصره. وقد أكبّ على محاضرات الرّياشى وأبى عثمان الأشناندانىّ وأبى حاتم السجستانى وغيرهم من علماء البصرة، فأخذ كل ما عندهم. ولما استباح الزنج البصرة سنة ٢٥٧ ونكلوا بأهلها تنكيلا شديدا فرّ مع عمه الحسين إلى عمان وطن قبيلته الأزد، وظل بها اثنى عشر عاما إلى أن قضى الموفق على ثورة الزنج قضاء نهائيّا، وحينئذ يعود إلى البصرة حين عاد إليها الأمن والسلام. ويظل بها إلى أن يستدعيه عبد الله بن محمد بن ميكال والى الأهواز وفارس لتأديب ابنه أبى العباس إسماعيل وتثقيفه. ويلبىّ الدعوة، ويرحب به الوالى ترحيبا عظيما، ويقلده ديوان إمارته فارس وتقبل عليه الدنيا إذ تنهال عليه الأموال. وينظم فى الوالى وابنه قصيدته الطويلة المشهورة باسم المقصورة، التى عرضنا لها فى حديثنا عن الشعر التعليمى وتطير شهرتها وتتكاثر شروحها، وتطبع فى عصرنا بشرح التبريزى وبشروح


(١) انظر فى ترجمة ابن دريد وأشعاره معجم الشعراء ص ٤٢٥ وتاريخ بغداد ٢/ ١٩٥ وابن خلكان ومعجم الأدباء ١٨/ ١٢٧ ونزهة الألباء. والفهرست ص ٩٧ وشذرات الذهب ٢/ ٢٨٩ ولسان الميزان ٥/ ١٣٢ وتكملة تاريخ الطبرى للهمدانى ص ٧٦ والوافى بالوفيات للصفدى ٢/ ٣٣٨ ومروج الذهب للمسعودى ٤/ ٢٢٩ وطبقات الشافعية ٣/ ١٣٨ والنجوم الزاهرة ٣/ ٢٤٠ روضات الجنات ٦٠٥ وقد طبع ديوانه فى القاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>