للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرى وتكثر تخميساتها على مرّ القرون. وفى أثناء عمله عند ابن ميكال ألّف الجمهرة لابنه إسماعيل، وهى معجم لغوى بدأ فيه على طريقة معجم العين المنسوب إلى الخليل بالثنائى ثم بالثلاثى ثم بالرباعى ثم بملحقه ثم بالخماسى والسداسى وملحقاتهما، وجمع النوادر فى باب منفرد. أملاها أولا فى فارس، ثم أملاها فى البصرة ثم فى بغداد ولذلك اختلفت نسخها اختلافات كثيرة. وكان من أهم ما ألفه لإسماعيل، كى يحسن العربية، كتاب الأربعين حديثا، قصّ فيه حكايات عربية قديمة تقوم على الحب غالبا كما تقوم على التاريخ، ويقول الحصرى عن هذه الأحاديث إنها هى التى ألهمت بديع الزمان مقاماته (١). ويبدو أنه ألّف عند ابنى ميكال كثيرا من مصنفاته، ومما نشر له منها فى عصرنا كتاب الاشتقاق وكتاب السّرج واللجام وكتاب صفة السحاب والغيث وكتاب الملاحن ويشتمل على ألغاز لغوية. وما زال يعيش فى رحاب ابنى ميكال حتى عزلا عن فارس، فانتقل إلى مسقط رأسه، ثم تركها إلى بغداد سنة ٣٠٨ وكان صيته وشهرته العلمية سبقاه، فاستقبلته بغداد استقبالا حافلا، وأجرى عليه المقتدر خمسين دينارا شهريا إلى أن توفى سنة ٣٢١ عن نحو ثمانية وتسعين عاما. وأهم مدائحه وأشعاره مقصورته التى ذكرناها آنفا، وقد حلّلناها فى حديثنا عن الشعر التعليمى، ونقف منها الآن عند مديحه للأمير عبد الله بن محمد بن ميكال وابنه أبى العباس إسماعيل، وفيهما يقول:

تلافيا العيش الذى رنّقه ... صرف الزمان فاستساغ وصفا (٢)

وأجريا ماء الحيا لى رغدا ... فاهتزّ غصنى بعد ما كان ذوى (٣)

إن ابن ميكال الأمير انتاشنى ... من بعد ما قد كنت كالشئ الّلقا (٤)

ومدّ ضبعىّ أبو العباس من ... بعد انقباض الذّرع والباع الوزى (٥)


(١) انظر زهر الآداب ١/ ٣٠٧ وكتابنا الفن ومذاهبه فى النثر العربى (طبع دار المعارف- الطبعة السادسة) ص ٢٤٨.
(٢) رنقه: كدره.
(٣) الحيا: الغيث والخصب.
(٤) انتاشنى: تناولنى. واللقا: المرمىّ فى عرض الطريق لا يعبأ به.
(٥) الضبع: وسط العضد. ومد ضبعيه: بسطهما، كناية عن اتساع حاله. وانقباض الذرع والباع كناية عن ضيق الحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>