للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذاك الذى ما زال يسمو للعلا ... بفعله حتى علا فوق العلا

لو كان يرقى أحد بجوده ... ومجده إلى السّماء لا رتقى

ما إن أتى بحر نداه معتف ... على أوارى علم إلا ارتوى (١)

نفسى الفداء لأميرىّ، ومن ... تحت السماء لأميرى الفدا

وطبيعى أن يعنى ابن دريد فى هذا المديح بإدماج شئ فيه من الألفاظ الغريبة، لأنه أراد بالقصيدة أن تكون متنا لغويّا، وتحققت له إرادته، لا بما وضع فيها من ألفاظ غريبة فحسب، بل أيضا بما حشد فيها من الألفاظ المقصورة. ومع ذلك فقد استطاع فيها أن يوازن بين ما جمع من الألفاظ الغريبة ولغة الشعر العذبة، فاختار لها أسلوبا وسطا بين الإغراب والسهولة، كما أشرنا إلى ذلك فى غير هذا الموضع. وهذه الأبيات نفسها تصور هذا المسلك، فهى لا تتعمق فى الإغراب، بل تظل فيها نضرة الشعر وجماله. وله وراءها مدائح مختلفة لا يغمسها فى الغريب وألفاظه من مثل قوله فى أبى أحمد حجر الجويمىّ أحد رجالات فارس النابهين:

حجر بن أحمد فارع الشرف الذى ... خضعت لعزّته طلى الأعناق (٢)

انظر أنامله فلسن أناملا ... لكنهن مفاتح الأرزاق

وانظر إلى النور الذى لو أنه ... للبدر لم يطبع برين محاق (٣)

وكان يجيد فن الرثاء، وله مرثية بديعة فى عمه الحسين بن دريد الذى تعهد تربيته. ومن خير مراثيه مرثية فى محمد بن جرير الطبرى علم الدراسات الدينية والكتابات التاريخية فى عصره. وفيها يقول:

إن المنية لم تتلف به رجلا ... بل أتلفت علما للدين منصوبا

كان الزمان به تصفو مشاربه ... والآن أصبح بالتّكدير مقطوبا (٤)

كلا وأيامه الغرّ التى جعلت ... للعلم نورا وللتقوى محاريبا


(١) ندى: الكرم. المعتفى: طالب النوال والأورى: النار. العلم: الجبل.
(٢) طلى: جمع طلية، وهى أصل العنق.
(٣) الرين: الأذى. يطبع: يدنس.
(٤) مقطوبا: ممزوجا.

<<  <  ج: ص:  >  >>