الجزائر والمغرب الأقصى لعامة العرب، وتغلغلوا إلى وادى ملوية ودرعة، وتغلغلت قبيلة المعقل فى زمن ابن خلدون بقفار المغرب حتى المحيط. ومعنى ذلك كله أن بربر المغرب الأقصى اختلطوا اختلاطا واسعا بأعراب الجزائر عن طريق التعايش والمصاهرة والسكنى واتصل ذلك قرونا بحيث استحال سكان المغرب الأقصى شعبا عربيا لغة ودينا وتناولا للحياة إلا فى بعض الجهات النائية فى شواهق الجبال بأوراس والصحراء. وبكل ما قدمت يتضح أن لدولة الموحدين فضلا عظيما فى تعرب المغرب الأقصى بما نقلت إلى أقاليمه من جموع العرب النازلين فى الجزائر وأكبر الظن أنها لم تكن غايتها نقلهم إعدادا لجهاد الإسبان النصارى فحسب، بل كانت غايتها أيضا تعريب المغرب الأقصى نهائيا بما أنزلت فيه من جموعهم الهائلة. أما ما يقال من أن ابن تومرت كان يؤلف كتبه بالعربية والبربرية وأنه كان يحاضر الجماهير باللغتين وأن الدولة-فى بدء عهدها-بدلت الخطباء والأئمة فى جميع البلاد، وأنها اشترطت أن لا يؤم الناس ولا يخطبهم إلا من يحفظ عقيدة التوحيد لابن تومرت باللسان البربرى. فلم يكن ذلك منها سياسة رجعية كما يقول بعض المعاصرين إنما كان ذلك منها حرصا-والبربرية لا تزال منتشرة فى المغرب الأقصى-على إيصال عقيدة الدولة إلى العامية المغربية، وكان لا يزال فيها جماهير بربرية لا تحسن العربية.
[(ب) كثرة الشعراء]
تبدأ الحركة الأدبية فى المغرب الأقصى مع نشأة الدولة الإدريسية أواخر القرن الثانى الهجرى إذ كان بين أمرائها شعراء متعددون يتقدمهم إدريس الثانى (١٨٦ - ٢١٣ هـ) وتلاه من أبنائه وأحفاده وأسرته غير شاعر، وأخذ الشعر يجرى على ألسنة بعض الشعراء المغاربة يمدحون به الأدارسة على نحو ما نجد عند إبراهيم بن أيوب النكورى، وكانوا يهجون به خصومهم من البرغواطيين وغيرهم. ويظل الشعر يسيل على ألسنة بعض الشعراء فى القرنين الثالث والرابع الهجريين، حتى إذا كان القرن الخامس الهجرى طارت شهرة بعض الشعراء إلى البلدان العربية وخاصة الأندلس، إذ نجد ابن بسام يترجم فى الذخيرة لابن القابلة السبتى ويحيى بن الزيتونى الفاسى وللفقيه أبى بكر المرادى ويذكر أنهم وفدوا على الأندلس مادحين لأمراء الطوائف، وأن آخرهم انتجع أمراء المرابطين بالمغرب الأقصى فى أوائل دولتهم، وولاه محمد بن يحيى بن عمر اللمتونى قضاء معسكره المجاهد فى بلاد السودان، ويقول:«أخرجت مما وجدت من شعره ونثره ما يستخفّ رواسى الجبال، ويستوفى ضروب السحر الحلال». وينزل طنجة فى الربع الأخير من القرن الخامس الهجرى الشاعر القيروانى على بن عبد الغنى الحصرى المبدع فى شعره، وتكوّنت حوله سريعا ندوة أدبية. ونمضى إلى عصر المرابطين، فيشتهر لعهدهم ابن زنباع والقاضى عياض المتوفى سنة ٥٤٤ هـ/١١٤٩ م ويترجم عماد الدين الأصفهانى