للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شأنه أن يطمع الجنوبين أو غيرهم فى احتلال ذلك الجزء من البلاد ثم فى احتلال البلاد جميعها حين تحين الفرصة، على نحو ما سوّل الشيطان ذلك لفرنسا بالأمس.

٣ -

الثراء (١) -الرفه-الموسيقى

[(أ) الثراء]

طبيعى أن أهلّت التجارة الواسعة فى موانى الجزائر الساحلية أهلها ليكونوا أثرياء، وكلّ ثراؤه حسب قدرته فى التجارة وحسب نشاطه، ونضرب مثلا لذلك مدينة القالة التى كان يتجر أهلها مع الجنوبين فى الشمع والجلود كما مر بنا، ويقايضونهم عليهما بما يحملون من السلع ويقول الحسن الوزان: «لا يوجد على الساحل مدينة أكثر غنى من هذه المدينة، فهى تربح من تجارتها مع الجنوبين (تجار جنوة) ضعف قيمة ما تعطيه لهم، ثم تبيع بالقطاعى فى الجبال المجاورة لها البضائع التى جلبها الجنويون وتجنى من ذلك كسبا ضخما. ومثلها فى هذا الاتجار والغنى بقية الموانى الشمالية، ويعبر المؤرخون عن ذلك بعبارات كثيرة كأن يقول البكرى عن بونة (عنابة) إنها كثيرة اللحم واللبن والعسل ويقول الوزان إن أهلها يبيعون كمية كبيرة من الأقمشة الكتانية وكل أراضيها ممتازة لزراعة القمح ويمتلك أهلها عددا كبيرا من الأبقار والثيران والأغنام، وتنتج المواشى كمية ضخمة من السمن. وكل تلك مؤهلات كبيرة للثراء. ويقول الوزان عن أهل بجاية إنهم مياسير وعلى قدر كبير من الغنى ومرّ بنا أنها كانت مركزا تجاريا ضخما وأن السلع كانت تباع فيها بالأموال المقنطرة. ولم يكن أهل مدينة الجزائر يقلون ثراء عن أهل بجاية، واتسع ثراؤهم فى العهد العثمانى اتساعا كبيرا، وبالمثل أهل وهران. وينوه الوزان بثراء قسنطينة وكثير من المدن الداخلية ويقول عن تجار تلمسان إنهم أغنياء جدا بما يملكون من عقار ومتاع ونقود وهم ذوو هندام جيد، وينوّه-كما مر بنا -بالصناع وثيابهم اللائقة، ويقول أفضل الناس كساء فى تلمسان الأساتذة والقضاة والأئمة والموظفون لما كانوا يتقاضون من رواتب عالية، ويذكر أن العساكر يتقاضون أجورا مرتفعة. ويذكر عن أهل ميزاب أنهم أغنياء لأنها كانت مركز التلاقى التجارى بين تجار مدينتى بجاية والجزائر وتجار بلاد السودان، ويقول عن مدينة ورقلة (ورجلان) الداخلة فى الصحراء


(١) انظر فى الثراء المصادر السالفة فى المعيشة وخاصة كتاب وصف إفريقيا للحسن الوزان، ونفس المصادر تراجع فى الرفه ويراجع معها كتاب بغية الرواد فى ذكر الملوك من بنى عبد الواد فى وصف المنكانة أو الساعة ٢/ ٤٠ ونقلها عنه التنسى فى تاريخ بنى زيان ملوك تلمسان ونقلها عن التنسى المقرى فى نفح الطيب وأزهار الرياض. وراجع فى الموسيقى وصف إفريقيا للحسن الوزان وكتاب الجزائر لأحمد توفيق المدنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>