ويذكر الأستاذ كنون-كما أشرنا إلى ذلك فى غير هذا الموضع-أن المرأة المغربية هى التى كانت تقوم فى ميدان التعليم الأولى بتعليم الناشئة ذكورا وإناثا، وأنه لم يكن يخلو حىّ من دار معلمة وتسمى فقيهة، ويذكر الحسن الوزان عن مدينة فى إقليم نوميديا أن النساء فيها هن اللائى يعلمن الأولاد ذكورا وإناثا حتى سن الثالثة عشرة، ويبدو أن ذلك كان سنة متبعة فى المغرب الأقصى جميعه من قديم.
[المساجد]
كانت الناشئة حين تنجز حفظها للقرآن الكريم تتجه إلى حلقات الشيوخ فى المساجد لتتلقّى ما يلقى بها من تفسير للذكر الحكيم ورواية للحديث النبوى وتعاليم للشريعة ودراسات للعربية وتاريخ للرسول والأمة العربية. وكان القائمون على الدروس فى هذه الموضوعات يختلفون، فمنهم من يعطى مبادئ فى هذه الدراسات، ومنهم من يعطى دروسا متعمقة لمن ثقفوا المبادئ واستوعبوها وخاصة فى الجوامع الكبيرة بكل بلدة. وكانت هذه الجوامع تعد مراكز الإشعاع الفكرى فى كل مكان، ونلتقى بها فى كل بلدان المغرب الأقصى الكبرى مثل سبتة وطنجة وأصيلا وتازه وسجلماسة. ويذكر الحسن الوزان أن فى فاس ستمائة مسجد منها خمسون كبيرة جميلة البنيان مزدانه بالأعمدة والفسيفساء والخشب المنقوش مع تبليطها بالرخام أو ما يشبهه من الميورقى.
ويفصّل الحسن الوزان الحديث عن جامع القرويين بفاس الذى بنى فى عهد الدولة الإدريسية سنة ٢٤٥ هـ/٨٦٠ م ويعدّ أقدم جامعة علمية فى العالم العربى. وعلى نحو ما أحدث الأزهر فى القاهرة من نهضة علمية فى مختلف العصور كذلك أحدث جامع القرويين نهضة مماثلة لا فى فاس وحدها بل فى المغرب الأقصى جميعه. ويذكر الوزان أن محيط هذا الجامع يبلغ ميلا ونصفا وأن له واحدا وثلاثين بابا كبيرا عاليا ومنارته عالية جدا ويوقد فيه كل ليلة ستمائة سراج، وعلى طول الجدران كراسى من مختلف الأنواع، يلقى منها طائفة من الأساتذة على الشعب محاضرات روحية فى أمور دينه وشريعته. وكانت تبدأ هذه المحاضرات بعد صلاة الصبح وتنتهى بعد شروق الشمس بساعة. وقد ألف الدكتور عبد الهادى التازى عن هذا الجامع موسوعة كبيرة تحدث فيها بالتفصيل عن جوانبه المعمارية والثقافية ومكانته فى العلم والفكر المغربيين فى مختلف الأزمنة. وعلى نحو ما ذكر الحسن الوزان من تفصيلات عن جامع القرويين دوّن تفصيلات مماثلة عن جامع على بن يوسف بن تاشفين أمير المسلمين بمراكش وقد هدمه عبد المؤمن مؤسس دولة الموحدين وشيّد مكانه جامعا آملا أن يشيع عليه اسمه محل اسم على بن يوسف ولكن الناس ظلوا يسمونه باسمه القديم، وبنى عبد المؤمن جامعا بجوار قصبة مراكش، وقد اعتنى به حفيده يعقوب وزينه بأعمدة جلبها من الأندلس، وشيّد له منارة فى منتهى