للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكانا معينا. وكان أديبا حفيا بالشعراء يجزل لهم العطاء، وشدوا إليه الرحال من المشرق، وبذلك أحدث فى القيروان حركة أدبية، وكان يعقد لها الندوات فى دار الإمارة. ومما يروى من سيرته الزكية أنه رأى يوما بإحدى ضواحى القيروان غنما كثيرا فسأل عن صاحبه فقيل له إنه لابنه، فطلبه وعنّفه على مزاحمته الرعية فى صور التكسب وأمر بذبحها وتوزيعها على الناس. وظل واليا على إفريقية سبعة عشر عاما حتى توفى سنة ١٧٠ هـ‍/٧٨٦ م وولى بعده أخوه روح بن حاتم سنة ١٧١ هـ‍/٧٨٧ م وكان عالى الهمة عادلا حسن السيرة، وفى أيامه ظهرت دولة الأدارسة بالمغرب وبويع إمامها الأول إدريس الحسنى سنة ١٧٢ هـ‍/٧٨٨ م وأسسوا مدينة فاس واتخذوها عاصمة لهم، وتوفى روح سنة ١٧٤ هـ‍/٧٩٠ م ودفن مع أخيه فى قبر واحد. وتولاها بعده نصر بن حبيب المهلبى وكان حسن السيرة، وعزله الرشيد وولّى عليها الفضل بن روح، واضطربت عليه الأمور، فولّى الرشيد عليها سنة ١٧٩ هـ‍/٧٩٥ م هرثمة بن أعين وكان من كبار قواده وكان حسن السياسة والإدارة، وايتنى رباط المنستير بين سوسة والمهدية لحماية الساحل من غارات نصارى البحر المتوسط، وظلت الأبنية تتسع حوله حتى أصبح مدينة كبيرة فى القرن السادس الهجرى. ولم يلبث هرثمة أن آثر العودة إلى المشرق سنة ١٨١ هـ‍/٧٩٧ م، وولى عليها الرشيد محمد بن مقاتل العكى ولم تحمد سيرته فعزله.

[(ج‍) الدولة الأغلبية]

كان إبراهيم بن الأغلب التميمى قد ولاه هرثمة على الزاب، فضبطه بحزمه، وأعجب به هرثمة لقوة شخصيته، واستشار الرشيد هرثمة فى وال كفء يوليه إفريقية، فأشار عليه بإبراهيم وامتدحه له، وكانت إفريقية تكلف الدولة العباسية نفقات باهظة بما ترسل إليها من الجيوش، وكان والى مصر يرسل إلى واليها سنويا مائة ألف دينار، وكان إبراهيم يتطلع لحكم إفريقية -مثل أبيه-وكان الرشيد يأمل فى وال يريحه من نفقاتها الباهظة، ولم يجد بأسا من كثرة ثناء هرثمة على إبراهيم بن الأغلب فى أن يوليه عليها وسرّ إبراهيم، وقال له إننى لن أحتاج إلى ما ترسله مصر لإفريقية من أموال، وأتعهد أن أرسل سنويا إلى بيت المال ببغداد أربعين ألف دينار، وكأنه وفّر للدولة أو تعهد أن يوفر لها مائة وأربعين ألف دينار سنويا، سوى ما كانت تكلفها الجيوش من أموال ونفقات ضخمة. وكان قد درس فى شبابه بمصر وحضر حلقات فقيهها: الليث بن سعد، مما أتاح له أن يكون فقيها مثل أستاذه، وكان الليث يعجب بتلميذه، مما جعله يهبه جارية، هى جلاجل زوجه وأم ابنه زيادة الله، وكان شاعرا خطيبا. واقتنع به الرشيد فكتب له العهد بولاية إفريقية سنة ١٨٤ هـ‍/٨٠٠ م وجعلها لعقبه يتوارثونها من بعده.

ومن حينئذ بدأت شخصية إفريقية-وخاصة إفريقية التونسية-فى الظهور، فقد أصبحت بها دولة مستقلة وإن ظلت تدين بالولاء اسميا للعباسيين، وأخذت تعمل جاهدة على

<<  <  ج: ص:  >  >>