فى حربه، وكان تقيا ورعا، فكره أن يتقاتل المسلمون، وترك القيروان عائدا إلى المشرق.
وصارت الخلافة إلى مروان بن محمد سنة ١٢٩ هـ/٧٤٦ م فأقرّ ولاية عبد الرحمن بن حبيب على إفريقية درءا للانقسامات والفتن بها، ولأنه أعلم بشئونها إذ هى داره ودار جده عقبة بن نافع. ولم تلبث الإباضية أن ثارت بطرابلس سنة ١٣٠ هـ/٧٤٧ م بإمامة عبد الله بن مسعود التجيبى فأرسل إليه عبد الرحمن أخاه إلياس، فقضى على ثورته، وبايع الإباضية بعده الحارث بن تليد بالإمامة، واتخذ وزيرا له عبد الجبار بن قيس المرادى، ونازلا جيوش عبد الرحمن مرارا، واغتيلا سنة ١٣٢ هـ/٧٤٩ م وبذلك انتهت ثورتهما. وفى نفس السنة قضى العباسيون على الدولة الأموية، فأقروا عبد الرحمن بن حبيب فى ولايته على القيروان وإفريقية، وسمع بتجمع للصّفرية فى تلمسان سنة ١٣٥ هـ/٧٥٢ م ففاجأهم وهزمهم. وأرسل حملة إلى صقلية وعادت بغنائم كثيرة، ومن أهم أعماله استيلاؤه على جزيرة قوصرة التى تبعد عن تونس نحو ثلاثين ميلا، واستمرت تابعة للقيروان وإفريقية حتى تنازل عنها أبو زكريا مؤسس الدولة الحفصية لفردريك الثانى ملك صقلية سنة ٦٢٨ هـ/١٢٣٠ م. وتآمر على عبد الرحمن أخواه إلياس وعبد الوارث وقتلاه سنة ١٣٧ هـ/٧٥٤ م وتولى إلياس وقتله حبيب بن عبد الرحمن، وتولى مكانه، وفى سنة ١٣٨ هـ/٧٥٥ م ثارت عليه قبيلة ورفجومة النفزاوية الصّفرية واستولت على القيروان منه واستباحتها، واشتبك معها حبيب سنة ١٤٠ هـ/٧٥٧ م وقتلته، وظلت فى القيروان تستحلّ المحارم وترتكب العظائم، فامتعض لأهلها أبو الخطاب عبد الأعلى بن السّمح إمام الإباضية فى طرابلس وجبل نفوسة، فخلّص القيروان منهم سنة ١٤١ هـ/٧٥٨ م وولّى عليها عبد الرحمن بن رستم الإباضى، وأرسل المنصور العباسى محمد بن الأشعث والى مصر بجيش جرار إلى إفريقية، فنازل أبا الخطاب فى معركة حامية الوطيس قتل فيها، ففرّ واليه على القيروان عبد الرحمن بن رستم إلى الزاب فى الجزائر وأسس للإباضية دولة فى تيهرت استمرت حتى سنة ٢٩٦ هـ/٩٠٩ م وتولّى الأغلب بن سالم التميمى على إفريقية سنة ١٤٨ هـ/٧٦٥ م وقتل سنة ١٥٠ هـ/٧٦٧ م فى بعض حروبه، وخلفه عمر بن حفص المهلبي، وكان بطلا مغوارا وابتنى بالزاب مدينة طبنة، وثار عليه إباضية طرابلس بزعامة أبى حاتم وحاصروا القيروان، وخرج إليهم وقتل سنة ١٥٤ هـ/٧٧٠ م.
وولى القيروان وإفريقية بعد ابن حفص المهلبى ابن عمه يزيد بن حاتم، وفيه يقول مؤرخ القيروان الرقيق: «كان كثير الشبه بجده المهلب فى حروبه ودهائه وكرمه وسخائه، وقلم أظفار الصفرية فى الزاب، وانسحبت فلولهم إلى ديار زناتة فى الصحراء، كما قلّم أظفار الإباضية فى طرابلس وجبل نفوسة وفتك بأبى حاتم الإباضى وصحبه هناك وبذلك ظلت لأهل السنة المنزلة العليا فى القيروان وجميع بلاد المغرب. وقد ضبط أمور الدولة بمنتهى الحزم، ومن أعماله تجديده بناء جامع القيروان سنة ١٥٧ هـ/٧٧٣ م وترتيبه للأسواق فيها، إذ أفرد لكل صناعة وتجارة