ووصفوا رحلاتهم فيهما وفى المحيطين وجزرهما وشواطئهما فى آسيا وإفريقيا وكل ما رأوه من شعوب وحيوانات برية وبحرية وطيور. ومن أهم ما كتبوا من هذه الرحلات كتاب «عجائب (١) الهند برّه وبحره وجزره وشطآنه» لبزرك بن شهريار الناخداه أى الربان.
ويدل اسمه على أنه إيرانى، وتدل حكاياته على أنه كان يعيش فى القرن الرابع الهجرى، وهو يقص فى كتابه قصصا بديعا ما سمعه من حكايات عن الملاحين الذين اقتحموا المحيطين الهندى والهادى ووصفوا ما أبصروه من أسماك وطيور وحيوانات وما ألم بسفنهم من عواصف هوجاء، وما شاهدوه من الشعوب وصناعاتها وعاداتها ودياناتها. وهو كتاب جغرافى وأدبى وقصصى نفيس.
وربما كان القزوينى زكريا بن محمد المذكور آنفا أكبر جغرافى أنتجته الحقب التالية فى العصر، واسم كتابه الجغرافى:«آثار البلاد وأخبار العباد» وهو فيه يصف الأقاليم السبعة للأرض، ويذكر ما فيها من البلدان والجزر والأنهار، ويهتم بأحوال السكان ويجمع غرائب عن شعوب هذه الأقاليم فى آسيا وإفريقيا وأوربا وخاصة شعوب الهند والصين، ويقص حكايات عن شعراء الفرس والزهاد فى البلدان الإسلامية، ويعرض عجائب البنيان والآثار ويحكى كثيرا من الأساطير والخرافات مما يجعل كتابه فى بعض جوانبه شبيها بكتب الأدب الخيالية المسلية.
ولعل فى كل ما سبق ما يصور ازدهار علوم الأوائل فى إيران حتى القرن الثامن الهجرى، وقد يدل على ذلك من بعض الوجوه إحساس العلماء بكثرة المصطلحات العلمية وأنهم فى حاجة إلى كتاب يجمعها ويعرف بها تعريفا دقيقا، وهو ما جعل السيد الشريف الجرجانى المتوفى سنة ٨١٦ يتجرد لوضع كتاب يفى بهذه الحاجة، على نحو ما يلقانا عنده فى كتابه التعريفات الذى أوضح فيه الاصطلاحات العلمية مرتّبا لها على حروف المعجم ترتيبا دقيقا.
[٣ - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد]
نشط البحث فى اللغة نشاطا واسعا لهذا العصر، إذ كثر العلماء الإيرانيون الذين تصدّوا للمباحث اللغوية، وكان أكبر ما نهضوا به وضع المعاجم، واهتمامهم به قديم، ولذلك
(١) انظر فى هذا الكتاب كراتشكوفسكى ١/ ١٤٣ وكتابنا «الرحلات» طبع دار المعارف ص ٣٣.