للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشريف (١) الطليق المروانى

هو أبو عبد الملك مروان بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن الناصر، قيل إنه كان يعشق جارية رباها أبوه معه، فنشأ يصبو إليها، وكانت تصبو إليه، وذكر ذلك لأبيه، ولم يحترم رغبته، فاستأثر بها من دونه، واشتدت غيرته من أبيه، فانتضى يوما سيفا وانتهز فرصة منه، فقتله، وكانت سنة إذ ذاك ست عشرة سنة، فزجّ به المنصور بن أبى عامر فى السجن وظل به ست عشرة سنة، ثم أطلقه، فسمى الطليق لذلك، وعاش بعد إطلاقه ورد حريته إليه ست عشرة سنة ثالثة، وهو من نادر الاتفاق، وتوفى قريبا من سنة أربعمائة.

ويقول ابن حزم فى كتاب الحلة السّيراء: «أبو عبد الملك هذا فى بنى أمية كابن المعتز فى بنى العباس ملاحة شعر وحسن تشبيه». ويقول فى جمهرة أنساب العرب: «مروان هذا من الشعراء المفلقين المحسنين». ويروون له أشعارا نظمها فى السجن وينقصها الإحساس بالمرارة، وكأنما يشعر بعظم ذنبه تلقاء أبيه. وله وراءها أشعار كثيرة فى الغزل والخمر ووصف الطبيعة، وهو فيها يعبر عن مشاعر صادقة، وتتضح فيها ثقافته بالشعر العربى، وتمثله للصياغة الشعرية الرصينة المونقة، مع العناية بالأخيلة والتصاوير، من ذلك قوله متغزلا فى قافيّة له مشهورة:

غصن يهتزّ فى دعص نقا ... يجتنى منه فؤادى حرقا (٢)

أطلع الحسن لنا من وجهه ... قمرا ليس يرى ممّحقا

ورنا عن طرف ريم أحور ... لحظه سهم لقلبى فوّقا (٣)

باسم عن عقد درّ خلته ... سلبته لثتاه العنقا

سال لام الصّدغ فى صفحته ... سيلان التّبر وافى الورقا (٤)

ونشعر بجمال موسيقاه وعذوبة ألفاظه وأنه يعرف كيف يضم اللفظة إلى اللفظة فى نسق صوتى بلذ الأسماع والألسنة، وحقا تشبيه قامة المرأة بالغصن النابت فى كثيب نقا أو رملة متداول وكذلك تشبيهها بالقمر وبظبى أحور، وهى تسدّد السهام إلى قلوب


(١) انظر فى ترجمة الشريف الطليق وشعره الحلة السيراء ١/ ٢٢٠ والمغرب ١/ ١٩١ والحميدى ص ٣٢١ والبغية ص ٤٤٧ والمعجب ص ٢٨٥ وما بعدها ونفح الطيب ٣/ ٥٨٦ وما بعدها والذخيرة ١/ ٥٦٣ وما بعدها وجمهرة الأنساب لابن حزم ص ١٠٢.
(٢) دعص: كثيب. نقا: رملة.
(٣) ريم: ظبى. فوّق: سدّد.
(٤) الصدغ: الشعر المسدل بين الأذن والعين. الورق: الفضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>