أصله من مدينة توزر التونسية فى بلاد الجريد، وكان فى أوائل حياته يحفّظ الصبية والغلمان القرآن الكريم فى مدن مختلفة بتونس والجزائر، ونزل تاهرت فى أواخر أيام الرستميين، ويقول المؤرّخون إنه اعتنق عقيدة الإباضية النكّارية، وأخذ يجتمع إليه كثيرون من قبيلته زناتة ومن البربر الخوارج إباضيين وصفريين، وكوّن منهم جيشا لقى به قبيلة كتامة فى الأربس وغير الأربس وهزمها مرارا. وكان يبيح لجيشه نهب البلاد وحرقها وسبى النساء وقتل الأطفال مما يؤكد أنه لم يكن إباضىّ العقيدة كما يذكر المؤرخون، إذ الإباضية لا يستحلون شيئا من ذلك كله، ومن أجل ذلك نرى أنه كان على مذهب الصفرية من الخوارج لا الإباضية، ويبدو أنه قرأ عن الخوارج الأزارقة المتطرفين الذين كانوا يستحلون سبى النساء وقتل الأطفال، فاقتدى بهم، وبئس القدوة. وما توافى سنة ٣٣٣ هـ/٩٤٤ م حتى يحشد جيشا ضخما يستولى به على كثير من البلدان فى الجزائر والإقليم التونسى، ويتقدم بجيشه حتى مدينة رقادة بالقرب من القيروان وينهبها، ويقتل واليها العبيدى خليل بن إسحاق. ويقصد القيروان ويستولى عليها وينضم إلى جيشه أهل السنة من سكانها يريدون الانتقام من العبيديين لمحاولتهم فرض عقيدتهم الإسماعيلية عليهم ومحو مذاهب السنة من مثل مذهب مالك، وزحفوا معه إلى أسوار مدينة المهدية عاصمة العبيديين وحاصرها. وتوفّى الخليفة العبيدى القائم فى أثناء حصاره لها سنة ٣٣٤ هـ/٩٤٥ م وخلفه ابنه الخليفة المنصور، وظلت الحرب بينه وبين ابن كيداد سجالا، واستصرخ زيرى زعيم صنهاجة فى الجزائر، فلبى صراخه، وانهزم ابن كيداد هزيمة ساحقة، وولّى الأدبار إلى الجزائر، والخليفة المنصور من ورائه يتعقبه فى باغاية بجبال الأوراس وغير باغاية إلى أن جاءوه به مكبلا بالأغلال، ففتك به سنة ٣٣٦ هـ/٩٤٧ م وبالقضاء على ثورته انتهت ثورات الخوارج فى الجزائر.
(ب) الدولة (١) الصنهاجية
إذا كانت قبيلة كتامة الجزائرية هى التى لعبت الدور الأول فى نصرة أبى عبد الله الشيعى على دول الجزائر الثلاث: الأدارسة فى تلمسان والإباضيين فى تاهرت والأغالبة فى القسم الشرقى من الجزائر فإن قبيلة صنهاجة هى التى كان لها الدور الأول فى القضاء على ثورة أبى يزيد مخلد بن كيداد الصّفرى، والقبيلتان جميعا كانتا تحتلان شمالى الجزائر: كتامة إلى الشرق وصنهاجة إلى الغرب، وكانتا تأخذان بحظ من الحضارة، وهما من قبائل البرانس المتحضرة. وكانت قبيلة زناتة تحتل الجنوب الجزائرى، وهى من قبائل البتر المتبدية، وكانت شعبها
(١) انظر فى الدولة الصنهاجية الكامل لابن الأثير والبيان المغرب لابن عذارى وأعمال الأعلام لابن الخطيب والجزء السادس من تاريخ ابن خلدون وابن خلكان فى تراجم باديس والمعز وتميم وتاريخ الجزائر فى القديم والحديث لمبارك بن محمد الميلى ص ٥٢٩ وما بعدها.