وفروعها تمتد إلى تلمسان والمغرب الأقصى غربا وإلى جنوبى الإقليم التونسى وطرابلس شرقا. وولّى الخليفة الفاطمى المنصور زيرى الصنهاجى على المنطقة الغربية فى الجزائر وحين تولى المعز الخلافة العبيدية سنة ٣٤١ هـ/٩٥٢ م أبقاه عليها، وكان مثل قبيلته على حظ من الحضارة ويتضح ذلك فى بنائه مدينة أشير إلى الشمال الشرقى من تاهرت سنة ٣٢٤ هـ/٩٣٥ م واتخاذها عاصمة له ولقبيلته، ودفع ابنه بلكين-فيما بعد-لتأسيس مدينة الجزائر على البحر المتوسط ومدينة مليانة جنوبى شرشال على الضفة الشرقية لنهر شلف ومدينة المدية إلى الجنوب الشرقى من مليانة. وساعد زيرى جوهرا الصقلى فى سنة ٣٤٧ هـ/٩٥٨ م فى حملته التى استولى بها على جميع بلدان المغرب الأقصى ما عدا سبتة وطنجة اللتين كانتا تدينان بالولاء لعبد الرحمن الناصر الخليفة الأموى فى قرطبة. وكان جوهر الصقلى قد استولى على مصر للمعز سنة ٣٥٩ هـ/٩٦٨ م وشاع عقب ذلك أن الخليفة العبيدى المعز سيترك عاصمته المهديّة فى إفريقية التونسية إلى مصر، وسيولّى زيرى على المغرب جميعه نائبا عنه، فامتعض لذلك جعفر بن على بن حمدون الزناتى والى الزاب للمعز سنة ٣٦٠ هـ/٩٧٠ م وكانت بينه وبين زيرى ضغائن وأحقاد وعداوة، ولم يلبث أن جمع عسكره وسلاحه وأمواله وخرج من مدينة المسيلة عاصمة ولايته التى بناها أبوه فى ولايته عليها كما مرّ بنا، واتجه إلى قبيلته: زناتة خالعا طاعة المعز، واحتفت به قبيلته وملّكته عليها، واستطاع فى سنة ٣٦١ أن يجمع منها جيشا ضخما وزحف به على أراضى صنهاجة، وعلم زيرى فجمع رجاله بسرعة، والتقى به، واشتبك الخصمان ورجحت كفة جعفر بن على وزناتة وقتل زيرى فى المعركة. وكان ابنه بلكين فى أشير وجاءه نبأ مصرع أبيه، فأعدّ العدة سريعا للأخذ بثأر أبيه، والتقى بزناتة ومزّق جموعها ونكّل بها تنكيلا شديدا، وبلغ انتصاره عليها المعز، فأقرّه على ولاية أبيه وأضاف إليه الزاب وتاهرت وسائر أعمال المغرب. وقبل مبارحة المعز المهدية إلى مصر ولاه على إفريقية التونسية والمغرب جميعه فى ذى الحجة لسنة ٣٦١ هـ/٩٧٢ م مع استثناء طرابلس وصقلية، وكان ينبغى أن يترك له صقلية لأنها بعيدة عن مصر، ولن تستطيع حمايتها عند الضرورة.
وأخذ بلكين ينهض بمسئوليات الحكم فى المغرب ويرتّب شئونه، وهو بربرى مغربى من صنهاجة، وقد مضى يعمل على تأسيس دولة صنهاجية مغربية يتوارثها أبناؤه، وهى أول مرة فى التاريخ الإسلامى تنشأ دولة مغربية إسلامية فيه، وتتوالى بعدها دول مغربية كبيرة، مما يجعل حكم بلكين للمغرب فاتحة انتقال الملك والسلطان فيه من العرب إلى البربر وبعبارة أدق إلى زعماء البربر ورؤساء قبائلهم، وهو تطور طبيعى إذ ظل البربر، وبعبارة أخرى أبناء المغرب، يتدربون قرونا-طوال الحكم العربى-على النظم الإسلامية فى إدارة الدولة وأخذوا يحكمون أقاليمها المختلفة. وآن أن تنشأ لهم دولة مغربية أو دول من ذات أنفسهم، أما ما يقوله مارسيه فى كتابه:«البربر المسلمون فى العصور الوسطى» وكتابه: «بلاد المغرب الشرقية» من أن