وفى الديوان ظواهر مهمة يحسن أن نشير إليها، ففيه اثنتا عشرة موشّحة وفيه ثلاثة مسمّطات وسبعة مخمّسات وبعض رباعيات كقوله:
لا تحسب زورة الكرى أجفانى ... من بعدك من شواهد السّلوان
ما أرسلت الرّقاد إلا شركا ... تصطاد به شوارد الغزلان
وتكثر فى شعره المحسنات البديعية، وخاصة الجناس بجميع صوره الممكنة، ومر بنا أن له كتابا مستقلا فيه، وفى شعره كل ألوانه: التام والناقص والمقلوب والملفق، وله قصيدة بنى كل شطر من شطورها على ثلاثة جناسات مثل:
سل سلسل الريق لم لم يرو حرّ ظما ... بل بلبل القلب لما زاد آلاما
وواضح أن حرفى «سل» كرّرا ثلاث مرات فى الشطر الأول وكرّر حرفا «بل» فى الشطر الثانى ثلاث مرات. وقد يلجأ إلى جناس آخر لا يقل تعقيدا إذ يجانس بين ختامى الشطرين فى قصيدة على هذه الصورة:
شديد البأس ذو أمر مطاع ... مضارب كلّ قرم أو مطاعن
ومضى فى القصيدة يضيف نونا إلى الكلمة المنونة فى آخر الشطر الأول ليحدث هذا الجناس المتكلف. وأكثر من التضمين فى قصائده، بحيث يصبح له فى القصيدة شطر ولبعض السابقين من مثل امرئ القيس والمتنبى وغيرهما شطرثان. وليس هذا فحسب فقد تبع الحريرى فى نظم قصائد مهملة غير منقوطة وأخرى معجمة منقوطة أو يستقل فيها بيت أو شطر بالإعجام وبيت أو شطر بالإهمال أو تتوالى الكلمات فيها كلمة معجمة وكلمة مهملة. وقد تتكون الأبيات من حروف مقطعة غير موصولة أو من حروف موصولة بحيث لا يكون فيها حرف مفصول، وله قصيدة كل كلماتها مصغّرة، إلى غير ذلك من هذه التمرينات الهندسية التى لا تحوى شعرا، وإنما تحوى مهارات لغوية. وصفىّ الدين بذلك وباستخدامه الواسع للتضمينات والجناسات يفتح الأبواب على مصاريعها لشعراء العراق بعده كى تخمد شاعريتهم وتجف ينابيعها، مع أن ملكاته الشعرية كانت من الخصب بحيث لو اتجه بها نحو وصف الطبيعة وكان يجيده لأضاف إضافات رائعة إلى الشعر العربى.
[٤ - شعراء المراثى والهجاء والشكوى]
لا نبالغ إذا قلنا إنه قلما وجد شاعر من الشعراء، وخاصة شعراء المديح، إلا وقد نظم مراثى مختلفة فيمن سبق إليه الموت من كبار ممدوحيه أو من أهله أو من أصدقائه، ونكتفى