للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذ أراد الله نصر الدين ... استصرخ الناس ابن تاشفين

فجاءهم كالصّبح فى إثر غسق ... مستدركا لما تبقّى من رمق

وواصل السّير إلى الزلاّقه ... وشاقه ليومها ما شاقه

لله درّ مثلها من وقعه ... قامت بنصر الدين يوم الجمعه

وثلّ للشّرك هناك عرشه ... لم يغن عنه قومه أذفنشه

وهو يقول إن الله حين أراد نصر الدين الحنيف فى الأندلس استصرخ أهلها ابن تاشفين، وكان ذلك فى صدر سنة ٤٧٩ فلبّاهم كالصّبح المضئ فى إثر ظلام مطبق، مستدركا لما بقى فى الأندلس من رمق يوشك أن يزهق ونفس يوشك أن يضمحلّ، وبادر عجلا متلهفا إلى الزلاقة بأسد وغى والنصر يحفّ بركابه، ونازل العدو يوم جمعة، وكان يوما فاصلا إذ حاقت فيه الهزيمة القاضية بألفونس السادس وجنوده وثلّ عرشه وسلطانه.

والأرجوزة رائعة فى نسيجها وصياغتها الجزلة الرصينة ونسقها المحكم فى اختيار الألفاظ والقوافى دون تكلف ودون محسنات بديعية تستر المعانى أو تضفى عليها شيئا من الإبهام. وهى تدل-بوضوح-على تعمق أبى طالب فى الثقافات الكلامية والفلسفية والإسلامية، كما تدل على بصره الواعى بتاريخ حكام العرب شرقا وغربا منذ أقدم الحقب فى الدول الإسلامية حتى زمنه.

حازم (١) القرطاجّنى

مرّ بنا فى الفصل الثانى حديث عن كتاب منهاج البلغاء لحازم، وهو من أفذاذ علماء الأندلس وأدبائها، رزق به أبوه محمد بن الحسن الأوسى الأنصارى قاضى قرطاجنة سنة ٦٠٨ للهجرة، وعنى بتربيته فحفظ القرآن الكريم، وشبّ فأخذ يتلقى الآداب والعلوم فى بلدته الواقعة على البحر المتوسط فى الجنوب الشرقى للأندلس، ورحل منها إلى مدينة مرسية ليأخذ عن شيوخها، ومدّ رحلاته غربا إلى إشبيلية ولزم حلقات أستاذه الشلوبين بها مدة، وكانت فيه نزعة إلى الفلسفة فأوصاه بقراءة كتب ابن رشد، ولعل اطلاعه على


(١) انظر فى حازم وترجمته وشعره اختصار القدح المعلى ص ٢٠ وبغية الوعاة للسيوطى وأزهار الرياض ٣/ ١٧١ وما بعدها وشذرات الذهب لابن العماد ٥/ ٣٨٧ ومقدمة كتابه منهاج البلغاء (طبع تونس) للدكتور محمد الحبيب بن الخوجة وما بها من مصادر، ودراسة الدكتور مهدى علام بعنوان «أبو الحسن حازم القرطاجنى وفن المقصورة فى الأدب العربى مع تحقيقها» وجمع شعره ونثره ببيروت عثمان الكعاك مع تعريف به.

<<  <  ج: ص:  >  >>