لا نبالغ إذا قلنا إن كل من نلقاهم من عشرات الشعراء-إلا من ندر-عند أصحاب اليتيمة والدمية والخريدة ومن جاءوا بعدهم كانوا شعراء مديح، وينبغى أن لا نقلل من أهميتهم وأهمية شعرهم ذاهبين مع من يذهبون إلى أن هذا الشعر كان فى مجموعه نفاقا وملقا، وهى فكرة مخطئة، فقد ظهر العرب على مسرح التاريخ منذ العصر الجاهلى وهم يتغنون بمديح شيوخهم وأبطالهم راسمين فيهم الأمجاد الحربية لقبائلهم ومثاليتهم الخلقية الكريمة، مذكين بذلك الحماسة فى نفوس الشباب. وبذلك كان الشعر ديوان مفاخرهم أو بعبارة أدق كان المديح هو هذا الديوان، وأيضا كان ديوان مثلهم الخلقية من الجود وعزة النفس والكرامة. وانضمت إلى ذلك إشعاعات إسلامية منذ ظهر الدين الحنيف، إذ مضى شعراء المديح حين يمدحون خليفة أو واليا يتحدّثون عن العدل أو العدالة التى لا تصلح حياة الناس بدونها، كما يتحدثون عن تقواهم وصدورهم فى الحكم عن روح الإسلام وتعاليمه. ولم يتركوا معركة بينهم وبين أعدائهم من الأجانب إلا سجّلوا مجدنا الحربى فيها ليدفعوا الشباب إلى سلّ السيوف وقطع رقاب الأعداء ومحقهم محقا. وبذلك كله كان المديح طوال العصور السابقة لهذا العصر صحيفة تربية، يجد فيها الشباب القدوة الحسنة فى العمل المجيد وفى الخلق الحميد. وظلت لها هذه الغاية طوال عصر الدول والإمارات، فالشعراء يصوّرون فيها رجال الأمة العربية وكل ما يتحلّون به من خصال رفيعة وكل ما يحققونه لدولهم وإماراتهم من أعمال حربية، وكأنهم يريدون أن يرفعوهم نصب عيون الشباب شعارات تعبّر عن آمال الأمة التى حققوها والأخرى التى تأمل منهم أن يحققوها، مما جعلهم أحيانا يبالغون فى تصويرهم كأنما يريدون أن يحملوهم على النهج الصحيح الذى تريده الأمة، ولذلك يكثر أن لا يكتفوا بتصويرهم فى صورهم الحقيقية، بل يصوروهم كما تريد لهم ومنهم الأمة أو الإمارة.
وأول موجة تلقانا من شعراء المديح فى العصر شعراء اليتيمة وتتمتها الذين عاصروا الدولة البويهية، وفى الحق أن البويهيين ووزاءهم-كما مرّ بنا-بعثوا فى هذا العصر نهضة شعرية قوية، بما أسبغوا على الشعراء من عطايا وما فتحوا لهم من مجالسهم، ولن نستطيع أن نعرضهم جميعا، غير أننا سنقف قليلا عند ثلاثة من أفذاذهم، هم أبو الحسن محمد