والقصيدة وثيقة مهمة فى موقف الشعب من ثورة عرابى وتأييده له فى حربه ضد الإنجليز الغاشمين. ويقول محمد عبد الرحيم: لما دخل اللورد ولسلى بجيشه الإنجليزى إلى القاهرة وأخذت الحكومة تقبض على دعاة الثورة لجأ الشاعر يحيى إلى السيد محمد سر الختم الميرغنى، فساعده على السفر إلى الآستانة، وهناك عيّن مفتشا للغة العربية فى وزارة المعارف التركية.
عثمان (١) هاشم
ولد فى مدينة بربر أواخر سنة ١٨٩٨ للميلاد، وهو من الأسرة الهاشمية السودانية التى شاركت بقوة فى العلوم الإسلامية، وهى تنتسب إلى العباس بن عبد المطلب، ومن أعلامها أبو القاسم هاشم شيخ علماء السودان ومؤسس المعهد العلمى الدينى بأم درمان سنة ١٩١٢ والطيب أحمد هاشم مفتى السودان. بدأ حياته الدراسية بالاختلاف إلى كتّاب لحفظ القرآن الكريم، وتركه قبل أن يتمه للالتحاق بمدرسة مدينة بربر الابتدائية، ومنها تحول إلى القسم الابتدائى فى كلية غوردون وتخرج فيه وعمل فى الحكومة السودانية موظفا منذ سنة ١٩١٥. وشغف بالشعر العربى مبكرا فأكبّ على دواوينه واستيقظت فيه الموهبة الشعرية سريعا، ونظم فى موضوعات مختلفة جمع منها سعد ميخائيل باقة بديعة حين ألف كتابه شعراء السودان سنة ١٩٢٣ منها قصيدة حماسية فى بطل الأناضول مصطفى كمال أتاتورك، وكان الحلفاء بعد الحرب العظمى الأولى فى هذا القرن أغروا اليونان باحتلال إزمير وشطر كبير من الأناضول، واستحال الشعب التركى إلى عصابات مسلحة تقاوم هذا الاحتلال وانضمت إليها قوات نظامية، وقاد المقاومة سنة ١٩٢١ مصطفى كمال، وأخذ الترك يسحقون اليونان سحقا، حتى اضطر من بقى منهم إلى خروجهم من الأناضول جميعه فى سبتمبر سنة ١٩٢٢ وعادت تركيا-بفضل مصطفى كمال-إلى الظهور ببطولتها الحربية القديمة، وحيّاه عثمان هاشم بقصيدة رائعة، يقول له فى مطلعها:
ضربت بسيف الحقّ فاندكّ باطل ... وجئت بما لم تستطعه الأوائل
ودافعت عن دين النبىّ محمّد ... ولم تثن منك العزم تلك القنابل
غضبت لدين الله لما رأيته ... تمدّ له من كلّ حدب غوائل (١)
فلما توسّطت الأناضول صحت فى ... بنيه ألا هبّوا دفاعا وناضلوا
فلبّتك من أبناء عثمان عصبة ... لها فى صميم الترك مجد ونائل
وهاجوا غضابا كالأسود وأقسموا ... بأن يصدقوا بالفعل ما أنت قائل
وهو يقول لمصطفى كمال: ضربت جند اليونان بسيف الحق فاندكّ حصن باطلهم واحتلالهم الأثيم، ودافعت عن دين سيد الخلق محمد، لا تثنيك قنابل الأعداء، إذ غضبت للدين الحنيف
(١) انظر فى ترجمة عثمان هاشم وشعره شعراء السودان ص ٢١٤.