للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثانى

العصر الجاهلى

[١ - تحديد العصر]

قد يتبادر إلى الأذهان أن العصر الجاهلى يشمل كل ما سبق الإسلام من حقب وأزمنة، فهو يدل على الأطوار التاريخية للجزيرة العربية فى عصورها القديمة قبل الميلاد وبعده. ولكن من يبحثون فى الأدب الجاهلى لا يتسعون فى الزمن به هذا الاتساع، إذ لا يتغلغلون به إلى ما وراء قرن ونصف من البعثة النبوية، بل يكتفون بهذه الحقبة الزمنية، وهى الحقبة التى تكاملت للغة العربية منذ أوائلها خصائصها، والتى جاءنا عنها الشعر الجاهلى. ولاحظ ذلك الجاحظ بوضوح إذ قال: «أما الشعر (العربى) فحديث الميلاد صغير السن، أول من نهج سبيله وسهّل الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة. . فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له-إلى أن جاء الله بالإسلام-خمسين ومائة عام، وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتى عام» (١). وهى ملاحظة دقيقة، لأن ما قبل هذا التاريخ فى الشعر العربى مجهول، ونفس تاريخ العرب الشماليين يشوبه الغموض منذ قضى الرومان على دولتيهم فى بطرا وتدمر، إلا بعض أخبار فارسية وبيزنطية قليلة وبعض نقوش عثر عليها علماء الساميات، وتشير تلك النقوش والأخبار إلى إمارات الغساسنة فى الشام والمناذرة فى الحيرة ومملكة كندة فى شمالى نجد، غير أن معلوماتنا عن هذه الإمارات فيما وراء القرن السادس الميلادى محدودة، وهى إنما تتضح فى العصر الجاهلى الذى نتحدث عنه، إذ حمل إلينا العرب كثيرا من الأخبار عن تلك الإمارات وأمرائها الذين كانوا يستولون فيها على الحكم، كما حملوا إلينا كثيرا من


(١) الحيوان للجاحظ (طبعة الحلبى) ١/ ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>