للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخبار عن مدن الحجاز وخاصة مكة بيت الكعبة المقدسة، وكذلك عن القبائل وما كان بينها من أيام وحروب.

من أجل هذا كله نقف بالعصر الجاهلى عند هذه الفترة المحدودة أى عند مائة وخمسين عاما قبل الإسلام، وما وراء ذلك يمكن تسميته بالجاهلية الأولى، وهو يخرج عن هذا العصر الذى ورثنا عنه الشعر الجاهلى واللغة الجاهلية، والذى تكامل فيه نشوء الخط العربى وتشكله تشكلا تامّا كما قدمنا فى غير هذا الموضع. فذلك العصر المتميز الواضح فى تاريخ العرب الشماليين هو العصر الجاهلى.

وينبغى أن نعرف أن كلمة الجاهلية التى أطلقت على هذا العصر ليست مشتقة من الجهل الذى هو ضد العلم ونقيضه (١)، إنما هى مشتقة من الجهل بمعنى السفه والغضب والنزق، فهى تقابل كلمة الإسلام التى تدل على الخضوع والطاعة لله جلّ وعز وما يطوى فيها من سلوك خلقى كريم. ودارت الكلمة فى الذكر الحكيم والحديث النبوى والشعر الجاهلى بهذا المعنى من الحميّة والطيش والغضب، ففى سورة البقرة:

{(قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)} وفى سورة الأعراف:

{(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ)} وفى سورة الفرقان: {(وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً، وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)}.

وفى الحديث النبوى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأبى ذرّ وقد عيّر رجلا بأمه:

«إنك امرؤ فيك جاهلية». وفى معلقة عمرو بن كلثوم التغلبى:

ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وواضح فى هذه النصوص جميعا أن الكلمة استخدمت من قديم للدلالة على السفه والطيش والحمق. وقد أخذت تطلق على العصر القريب من الإسلام أو بعبارة أدق على العصر السابق له مباشرة وكل ما كان فيه من وثنية وأخلاق قوامها الحمية والأخذ بالثأر واقتراف ما حرّمه الدين الحنيف من موبقات.


(١) انظر مادة جاهلية فى دائرة المعارف الإسلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>